للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَت: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمعِي، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنهُ قَطرَةً.

فَقُلتُ لِأَبِي: أَجِب عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ! فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ! فَقُلتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ! فَقَالَت: وَاللَّهِ مَا أَدرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ! وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقرَأُ كَثِيرًا مِن القُرآنِ، إِنِّي وَاللَّهِ لَقَد عَرَفتُ أَنَّكُم قَد سَمِعتُم بِهَذَا حَتَّى استَقَرَّ فِي نُفُوسِكُم وَصَدَّقتُم بِهِ، فَإِن قُلتُ لَكُم إِنِّي بَرِيئَةٌ - وَاللَّهُ يَعلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ - لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِن اعتَرَفتُ لَكُم بِأَمرٍ وَاللَّهُ يَعلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونَنِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُم مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُستَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}

قَالَت: ثُمَّ تَحَوَّلتُ فَاضطَجَعتُ عَلَى فِرَاشِي. قَالَت: وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِن وَاللَّهِ مَا كُنتُ أَظُنُّ أَن يُنزَلَ فِي شَأنِي وَحيٌ يُتلَى، وَلَشَأنِي كَانَ أَحقَرَ فِي نَفسِي مِن أَن يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بِأَمرٍ يُتلَى،

ــ

و(قولها فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة)؛ أي: انقبض وارتفع، وإنَّما كان ذلك لأنَّ الحزن والموجدة قد انتهت نهايتها وبلغت غايتها، ومهما انتهى الأمر إلى ذلك جف الدمع لفرط حرارة المصيبة، كما قال الشاعر:

عينيَّ سُحَّا ولا تَشُحَّا ... جلّ مُصابي عن الدواء

إن الأسى والبكا جميـ ... ـعا ضدان كالداء والدواء

و(قولها ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى) دليل على أن الذي يتعين على أهل الفضل والعلم والعبادة والمنزلة احتقار

<<  <  ج: ص:  >  >>