للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما قدمناه غير مرة، وحاصله أنه لو كان تعالى ذا يد (١) وأصابع وجوارح على نحو ما هو المعروف عندنا، لكان كواحد منا، ويجب له من الافتقار والحدث والنقص والعجز ما يجب لنا، وحينئذ تستحيل عليه الإلهية، ولو جازت الإلهية لمن كان على هذه الأوصاف لجاز أن يكون كل واحد منا إلها، ولصحت الإلهية للدجال، ولصدق في دعواه إياها، وكل ذلك كذب ومحال، والمفضي إليه كذب ومحال، فقول اليهودي كذب ومحال، ولذلك أنزل الله تعالى في الرد عليه {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدرِهِ}. وإنما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من جهله، فوهم الراوي وظن أن ذلك التعجب تصديق، وليس كذلك. فإن قيل: فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن (٢)، فقد أخبر بأن له أصابع. فالجواب: أنه إذا جاءنا مثل هذا في كلام الصادق تأولناه، أو توقفنا فيه إلى أن يتبين وجهه، مع القطع باستحالة ظاهره، لضرورة صدق من دلت المعجزة على صدقه. فأمَّا إذا جاءنا مثل هذا على لسان من يجوز عليه الكذب، بل من أخبرنا الصادق عن نوعه بالكذب والتحريف كذبناه، وقبحناه، ثم لو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صدقه، وقال له: صدقت، لما كان تصديقا له في المعنى، بل في النقل، أي في نقل ذلك عن كتابه أو عن نبيه، وحينئذ نقطع بأن ظاهره غير مراد، ثم هل نتوقف في تعيين تأويل ونسلم، أو نبدي تأويلا له وجه في اللسان وصحة في العقل على الرأيين اللذين لأئمتنا، وقد تقدما. وقد قلنا: إن الأصبع يصح أن يراد به القدرة على الشيء ويسارة تقليبه، كما يقول من استسهل شيئًا واستخفه مخاطبا لمن استثقله: أنا أحمله على أصبعي، أو أرفعه بأصبعي وأمسكه بخنصري. وكما يقول من طاع بحمل شيء: أنا


(١) الأوْلى أن نثبتَ لله تعالى ما أثبته لنفسه في قرآنه، من غير تشبيه ولا تجسيم ولا تعطيل ولا تأويل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١].
(٢) رواه أحمد (٢/ ١٦٨)، ومسلم (٢٦٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>