في رواية: ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك، أنا الملك، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه.
ــ
أحمله على عيني وأرفعه على رأسي. يعني به: الطواعية، وما أشبه ذلك مما في معناه، وهو كثير، ولما كان ذلك معروفا عند العقلاء متداولا بينهم، خوطبوا بذلك جريا على منهاجهم، وتوسعا معلوما عندهم. وعلى هذا فيمكن حمل الحديث وما في معناه على نحو من هذا، وبيان ذلك أن السماوات والأرض، وهذه الموجودات عظيمة أقدارها في إدراكنا، وكبير خلقها في حقنا، فقد يسبق الوهم الغالب على الإنسان، أن خلقها وإمساكها على الله تعالى كبير، وتكلفها عسير، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوهم بهذا الحديث، وبينه على طريق التمثيل بما تعارفناه، فكأنه قال: خلق بيده المذكورات العظيمة، وإمساكها في قدرة الله تعالى كالشيء الحقير الذي تجعلونه بين أصابعكم، وتهزونه بين أيديكم، وتتصرفون فيه كيف شئتم، ولهذا أشار بقوله: ثم يقبض أصابعه ويبسطها. وبقوله: ثم يهزهن أي: هن في قدرته كالحبة مثلا في حق أحدنا؛ أي: لا يبالي بإمساكها، ولا بهزها، ولا تحريكها، ولا القبض والبسط عليها، ولا يجد في ذلك صعوبة، ولا مشقة، ومن لا يقنعه هذا التفهيم فليس له إلا سلامة التسليم، والله بحقائق الأمور عليم.
و(قوله تعالى: أنا الملك) أي: الحقيق بالمُلك والمِلك، إذ لو اجتمع ملوك الدنيا من أولها إلى آخرها وجميع المخلوقات، لما استطاعوا على إمساك مقدار ذرة من الأرضين، ولا من السماوات، وهذا معنى قوله: أنا الملك، في حديث اليهودي.
فأمَّا قوله: أنا الملك في حديث ابن عمر، فمقصوده إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين، وانتساب المنتسبين، إذ قد ذهب كل ملك وملكه، وكل جبار ومتكبر وملكه، وانقطعت نِسَبهم ودعاويهم، وهو نحو قوله تعالى:{لِمَنِ المُلكُ اليَومَ لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ} والإمساك المذكور في حديث اليهودي خلاف الطي والقبض الذي في حديث ابن عمر؛ فإنَّ