[٢٩١٢] وعن أنس أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر مرتين.
ــ
والجواب: إن هذا إنما كان يلزم لو استوى أهل الأرض في إدراك مطالعه في وقت واحد، وليس الأمر كذلك، فإنه يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين، فقد يكون الكسوف عند قوم، ولا يكون عند آخرين، وأيضًا: فإنما كان يلزم ذلك لو طال زمان الانشقاق، وتوفرت الدواعي على الاعتناء بالنظر إليه، ولم يكن شيء من ذلك، وإنما كان ذلك في زمن قصير شاهده من نُبِّه له، وذلك أن أهل مكة طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر، فخرج بهم إلى منى، فأراهم انشقاق القمر. فلما أراهم الله ذلك قال: اشهدوا. فقالت قريش: هذا سحر. فقال بعضهم لبعض: إن كان محمد سحرنا، فما يبلغ سحره إلى الآفاق، فابعثوا إلى أهل الآفاق، فبعثوا إلى آفاق مكة، فأخبروهم أنهم عاينوا ذلك. هكذا نقل النقلة، وكم من نجم ينقض وصاعقة تنزل، وهو سمائي يختص بمشاهدته بعض الناس دون بعض، ثم إنها كانت آية ليلية، وعادة الناس في الليل كونهم في بيوتهم نائمين، ومعرضين عن الالتفات إلى السماء إلا الآحاد منهم، وقد يكون منهم من شاهد ذلك، فظنه سحابا حائلا، أو خيالا حائلا، وعلى الجملة فالموانع من ذلك لا تنحصر، ولا تنضبط، والذي يحسم مادة الخلاف بين أهل ملتنا أن نقول: لا بُعد في أن يكون الله تعالى خرق العادة في ذلك الوقت، فصرف جميع أهل الأرض عن الالتفات إلى القمر في تلك الساعة لتختص مشاهدة تلك الآية بأهل مكة، كما اختصوا بأكثر مشاهدة آياته، كحنين الجذع، وتسبيح الحصى، وكلام الشجر، إلى غير ذلك من الخوارق التي شاهدوها ونقلوها إلى غيرهم، كما قد نقلنا ذلك في كتابنا المسمى: بكتاب الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،