للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَينَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَد حَبَسَت النَّاسَ، فَقَالَ: اليَومَ أَعلَمُ آلسَّاحِرُ أَفضَلُ أَم الرَّاهِبُ أَفضَلُ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيكَ مِن السَّاحِرِ فَاقتُل هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَي بُنَيَّ أَنتَ اليَومَ أَفضَلُ مِنِّي، قَد بَلَغَ مِن أَمرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبتَلَى، فَإِن ابتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الغُلَامُ يُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِن سَائِرِ الأَدوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلمَلِكِ كَانَ قَد عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجمَعُ إِن أَنتَ شَفَيتَنِي، قَالَ: إِنِّي لَا أَشفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشفِي اللَّهُ، فَإِن آمَنتَ بِاللَّهِ دَعَوتُ

ــ

كله في معرض الثناء على الراهب والغلام على جهة الاستحسان لما صدر عنهما، فلو كان شيء مما صدر عنهما من أفعالهما محرما أو غير جائز في شرعه، لبينه لأمته، ولاستثناه من جملة ما صدر عنهما، ولم يفعل ذلك. فكل ما أخبر به عنهما حجَّة ومسوغ الفعل.

فإن قيل: كيف يجوز في شرعنا ما فعل الغلام من دلالته على الراهب للقتل، ومن إرشاده إلى كيفية قتل نفسه؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن الغلام غير مكلف؛ لأنَّه لم يبلغ الحلم، ولو سلم أنه مكلف لكان العذر عن ذلك أنه لم يعلم أن الراهب يُقتل، فلا يلزم من دلالته عليه قتله. وعن معونته على قتل نفسه: أنه لما غلب على ظنه أنه مقتول ولا بد، أو علم بما جعل الله في قلبه، أرشدهم إلى طريق يظهر الله بها كرامته وصحة الدين الذي كانا عليه، ليُسلم الناس، وليدينوا دين الحق عند مشاهدة ذلك، كما كان. وقد أسلم عثمان - رضي الله عنه - نفسه عند علمه بأنه يقتل - ولا بد - بما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما بيناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>