للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ، فَأَتَى المَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيهِ كَمَا كَانَ يَجلِسُ فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَن رَدَّ عَلَيكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَم يَزَل يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلَامِ، فَجِيءَ بِالغُلَامِ فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: أَي بُنَيَّ قَد بَلَغَ مِن سِحرِكَ مَا تُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ وَتَفعَلُ وَتَفعَلُ؟ قَالَ: إِنِّي لَا أَشفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشفِي اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَم يَزَل يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ: ارجِع عَن دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالمِئشَارِ فَوَضَعَ المِئشَارَ فِي مَفرِقِ رَأسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ المَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارجِع عَن

ــ

وهذا الحديث كله إنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ليصبروا على ما يلقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها؛ ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به، وبذله نفسه في حق إظهار دعوته، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظيم صبره، وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نُشر بالمئشار، وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم، صبروا على الطرح في النار، ولم يرجعوا عن دينهم، وهذا كله فوق ما كان يُفعل بمن آمن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّه لم يكن فيهم من فُعل به شيء من ذلك؛ لكفاية الله تعالى لهم، ولأنه تعالى أراد إعزاز دينه وإظهار كلمته. على أني أقول: إن محمدا صلى الله عليه وسلم أقوى الأنبياء في الله، وأصحابه أقوى أصحاب الأنبياء في الله تعالى، فقد امتُحن كثير منهم بالقتل وبالصلب وبالتعذيب الشديد، ولم يلتفت إلى شيء من ذلك، وتكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما، وما لقي أصحابه من الحروب، والمحن، والأسر، والحرق، وغير ذلك، فلقد بذلوا في الله نفوسهم وأموالهم، وفارقوا ديارهم وأولادهم، حتى أظهروا دين الله، ووفوا بما عاهدوا عليه الله، فجازاهم الله أفضل الجزاء، ووفاهم من أجر من دخل في الإسلام بسببهم أفضل الإجزاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>