اجتنابه، وليس من قبيل الرقي الذي هو التجاء إلى الله تعالى وتبرُّك بأسمائه، وكأنّ هذا القسم المتوسط يُلحق بما يجوز فعله، غير أنّ تركه أولى؛ من حيث إنّ الرقي بذلك تعظيم، وفيه تشبيه المَرقيِّ به بأسماء الله تعالى وكلماته، فينبغي أن يُجتنب لذلك. وهذا كما نقوله في الحلف بغير الله، فإنّه ممنوع، فإنّ فيه تعظيمًا لغير الله تعالى بمثل ما يعظّم به الله، والله أعلم.
وهذا ما ظهر لي، فمن ظهر له ذلك فليقبله شاكرًا، وإلا فليتركه عاذرًا. وسيأتي الكلام في اشتقاق لفظ الطِيَرَة في كتاب الصلاة، إن شاء الله.
و(قوله: وعلى ربّهم يتوكّلون) التوكّل لغةً: هو إظهار العجز عن أمر ما، والاعتماد فيه على الغير، والاسم التكلان، يقال منه: اتّكلتُ عليه في أمري، وأصله اوتَكلت، قُلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، ثمّ أُبدل منها التاءُ وأُدغمت في تاء الافتعال. ويقال: وكّلتُه بأمر كذا توكيلاً، والاسم الوِكالة بكسر الواو وفتحها.
واختلف العلماء في التوكّل وفيمن يستحِقّ اسم المتوكِّل على الله، فقالت طائفة من المتصوِّفة: لا يستحقّه إلا من لم يخالط قلبه خوف غير الله من سَبُع أو غيره، وحتّى يترك السعي في طلب الرزق؛ لضمان الله تعالى.
وقال عامّة الفقهاء: إنّ التوكّل على الله تعالى هو الثقة بالله والإيقان بأنّ قضاءه ماضٍ، واتّباع سنّة نبيّه في السعي فيما لا بدّ منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحرّز من عدو وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنّة الله تعالى المعتادة. وإلى هذا ذهب محقِّقو المتصوِّفة، لكنّه لا يستحقّ اسم المتوكّل عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب، والالتفات إليها بالقلوب، فإنّها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا، بل السبب والمسبّب فعل الله تعالى، والكلّ منه وبمشيئته. ومتى وقع من المتوكِّل ركون إلى تلك الأسباب، فقد انسلخ عن ذلك الاسم.