[٢١٨] وَعَنهُ؛ قَالَ: قاَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لا يَغتَسِل أَحَدُكُم فِي المَاءِ
ــ
فإن المحل الذي توارَد عليه هو شيء واحد، وهو الماء، فعُدُوله عن ثم لا يغتسلن إلى ثم يغتسل دليل على أنه لم يرد العطف، وإنما جاء: ثم يغتسل على التنبيه على مآل الحال، ومعناه: أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه، فيمتنع عليه استعماله، لما وقع فيه من البول، وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يضرب أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها (١)، برفع يضاجعها، ولم يروه أحد بالجزم، ولا يتخيله فيه؛ لأن المفهوم منه: أنه إنما نهاه عن ضربها؛ لأنه يحتاج إلى مضاجعتها في ثاني حال، فتمتنع عليه لما أساء من معاشرتها، فيتعذر عليه المقصود لأجل الضرب، وتقدير اللفظ: ثم هو يضاجعها، وثم هو يغتسل.
وهذا الحديث حجة لمن رأى أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء، وإن لم تُغيره، وهو أحد أقوال مالك، ومشهور مذهبه في رواية المدنيين أنه طهور، لكنه مكروه مع وجود غيره. ويصح أن يحمل هذا الحديث على أنه إذا أبيح البول فيه أدى إلى تغيره، فحميت الذريعة بالنهي عن البول.
ومذهب السلف والخلف أنه لا فرق بين النهي عن البول فيه وبين صب بول فيه، ولا بين البول والغائط، وسائر النجاسات كلها. وذهب من أذهبه الله عن فهم الشريعة، وأبقاه في درجة العوام، وهو داود من المتقدمين، وابن حزم من المتأخرين المجترئين: على أن ذلك مقصورٌ على البول فيه خاصة، فلو صب فيه بولاً أو عذِرَةً جاز ولم يضر ذلك الماء، وكذلك لو بال خارج الماء فجرى إلى الماء لم يضره عندهما، ولم يتناوله النهي، ومن التزم هذه الفضائح وجمد هذا الجمود، فحقيق ألاّ يعد من العلماء، بل ولا في الوجود، ولقد أحسن القاضي أبو بكر - رحمه الله - حيث قال: إن أهل
(١) ذكره ابن حجر في فتح الباري (١/ ٣٤٧) بهذا اللفظ، ولم يعزه لأحد. ورواه بنحوه البخاري (٤٩٤٢)، ومسلم (٢٨٥٥)، والترمذي (٣٣٤٠) من حديث عبد الله بن زمعة رضي الله عنه. وانظر: عشرة النساء رقم (٢٨٤).