اصنَعُوا كُلَّ شَيءٍ إِلا النِّكَاحَ فَبَلَغَ ذَلِكَ اليَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَن يَدَعَ مِن أَمرِنَا شَيئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ. فَجَاءَ أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ وَعَبَّادُ بنُ بِشرٍ فَقَالا: يَا رسولَ الله! إِنَّ اليَهُودَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا. أَفَلا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى ظَنَنَّا أَن قَد وَجَدَ عَلَيهِمَا، فَخَرَجَا فَاستَقبَلهُمَا هَدِيَّةٌ مِن لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرسَلَ فِي آثَارِهِمَا، فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَن لَم يَجِد عَلَيهِمَا.
رواه أحمد (٣/ ٢٤٦)، ومسلم (٣٠٢)، وأبو داود (٢١٦٥)، والترمذي (٢٩٨١)، والنسائي (١/ ١٥٢).
* * *
ــ
أحدهما: أن حائض وطالق ومرضع مما لا شركة فيه للمذكر، فاستغنى عن العلامة.
والثاني - وهو الصحيح -: أن ذلك على طريق النسب؛ أي: ذات حيض ورضاع وطلاق، كما قال تعالى: السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ؛ أي: ذات انفطار.
وتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قول أُسيد بن الحُضير وعباد بن بشر إنما كان ليبين: أن الحامل على مشروعية الأحكام إنما هو أمر الله ونهيه، لا مخالفة أحد ولا موافقته، كما ظنا، ثم لما خرجا من عنده وتركاه على تلك الحالة، خاف عليهما أن يحزنا، وأن يتكدر حالهما، فاستدرك ذلك واستمالهما، وأزال عنهما ما أصابهما، بأن أرسل إليهما فسقاهما اللبن رأفة ورحمة منه لهما، على مقتضى خُلقِه الكريم، كما قال تعالى: بِالمُؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.