للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شهرًا. فَقَالَ أبو مُوسَى: فَكَيفَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ: فَلَم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَقَالَ عَبدُ اللهِ: لَو رُخِّصَ لَهُم فِي هَذِهِ الآيَةِ، لأوشَكَ، إِذَا بَرَدَ عَلَيهِمُ المَاءُ، أَن يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ. فَقَالَ

ــ

صح عن عمر وابن مسعود: أنهما رجعا إلى أن الجنب يتيمم، وهو الصحيح؛ لأن الآية بعمومها متناولة له، ولحديث عمار، وحديث عمران بن حصين حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي قال له: أصابتني جنابة ولا ماء، فقال له: عليك بالصعيد فإنه يكفيك (١)، وهذا نصٌّ رافع للخلاف.

واختلف في الصعيد ما هو؟ فروي عن الخليل: أنه وجه الأرض؛ ويدل عليه قول ذي الرُّمة:

كأنَّه بالضُّحى تَرمِي الصَّعِيدَ به ... دَبَّابةٌ في عِظامِ الرَّأسِ خُرطُومُ (٢)

فعلى هذا فيجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض باقيًا على أصل أرضيته، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وقد صار عليٌّ - رضي الله عنه - إلى أنه التراب خاصة، وهو قول الشافعي وأبي يوسف. وقَولةٌ شاذَّةٌ عن مالك. وقد استدل أصحاب هذا القول بقوله - عليه الصلاة والسلام -: وجعلت تربتها لنا طهورًا (٣)، ولا حجة فيه؛ لأن التراب جزء مما يتناوله وجه الأرض، فهو مساو لجميع أجزائها، وإنما ذكر التراب لأنه الأكثر، وصار هذا مثل قوله: فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخلٌ وَرُمَّانٌ والله أعلم.

و(قوله: لأوشك) أي: لأسرع، وقد تقدم. و (قوله - عليه الصلاة والسلام -: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا) خاطبه بإنما ليحصر له القدر


(١) رواه أحمد (٤/ ٤٣٤)، والبخاري (٣٤٨)، والنسائي (١/ ١٧١).
(٢) ديوان ذي الرمة (١/ ٣٨٩).
"دَبَّابةٌ": خمرٌ تدبُّ في العظام. "خرطوم": أول ما ينزل ويُؤخَذ من الدَّنِّ.
(٣) رواه مسلم (٥٢٢) من حديث حذيفة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>