رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّخلِ فَقُطِعَ، وَبِقُبُورِ المُشرِكِينَ فَنُبِشَت، وَبِالخِرَبِ فَسُوِّيَت.
ــ
جرف. قال: وأبينُ منه إن ساعدت الرواية -: حَدَبٌ جمع حَدَبَةٌ؛ وهي ما ارتفع من الأرض. وهذا منه تكلّف لا يحتاج إليه مع صحة الرواية والمعنى كما قدّمناه، وفيه دليل على جواز قطع المثمر من الشجر إذا احتيج إليه؛ من نكاية في عدو، وإزالة ضرر، أو ما يخاف منه.
وقوله: وبقبور المشركين فنبشت؛ إنما نبش قبورهم؛ لأنهم لا حرمة لهم. فإن قيل: كيف جاز نبشهم وإخراجهم من قبورهم، والقبر مختص بمن دفن فيه، مُحَتبس عليه، قد حازه الميت، فلا يجوز بيعه، ولا نقله عنه؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن تلك القبور لم تكن أملاكًا لمن دفن فيها، بل لعلها غصب، ولذلك باعها مُلَاّكُها.
الثاني: على تسليم أنها حُبست، فذلك إنما يلزم في تحبيس المسلمين، أما تحبيس الكفار فلا؛ إذ لا يصح منهم التقرب إلى الله تعالى، لا يقال: فهذا العتق يلزمهم إذا رفعوا أيديهم عن المعتق، لأنا نقول في العتق: إنه أمر عظيم يتشوّف الشرع إليه ما لم يتشوّف للحبس ولا لغيره، ولأنه تعلق به حقٌّ لآدمي، فجرى ذلك مجرى هِباتهم وأعطياتهم اللازمة.
ويمكن أن يقال: دعت الحاجة والضرورة إلى النبش فجاز. وقد اختلف في نبش قبور الكفار لطلب مال، فكرهه مالك؛ لأنها مواضع سخط وعذاب؛ فلا تدخل، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: لا تدخلوا بيوت هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم (١). فمن دخلها لطلب الدنيا كان بضد ذلك. وأجازه جماعة من أصحاب مالك محتجِّين بأن الصحابة نَبَشَت قبر أبي رِغَال،
(١) رواه أحمد (٢/ ٩٢)، والبخاري (٤٤٢٠)، ومسلم (٢٩٨٠) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.