للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: فَصَفُّوا النَّخلَ قِبلَةً لَهُ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيهِ حِجَارَةً، قَالَ: فَكَانُوا يَرتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُم، وَهُم يَقُولُونَ:

ــ

واستخرجت منه قضيب الذهب الذي أعلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مدفون معه. واتخاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجده في تلك البقعة دليل على أن القبور إذا لم يبق منها ولا من الموتى فيها بقية (١) جازت الصلاة فيها.

واختلف العلماء في جواز الصلاة في المقابر جملة؛ فأجازه مالك وأكثر أصحابه - وإن كان القبر بين يديه -، وهو مذهب الحسن البصري والشافعي وآخرين. وروي أيضا عن مالك الكراهة، وبه قال أحمد، وإسحاق، وجماعة من السلف. وحكى العراقيون عن المذهب: كراهية الصلاة في القديمة دون الجديدة. وقد كره العلماء الصلاة في مقابر المشركين بكل حال، وعليه تأوّل أكثرهم النهي عن الصلاة في المقبرة؛ قالوا: لأنها حفرة من حفر النار، وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في الجنائز.

وفي بنائه - صلى الله عليه وسلم - مسجده بالجذوع والجريد دليل على ترك الزخرفة في المساجد والتأنق فيها، والإسراف. بل قد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يقتضي النهي عن زخرفتها وتشييدها، فقال: ما أُمِرتُ بتشييد المساجد، قال: لتزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى (٢).

وقوله: فكانوا يرتجزون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم؛ اختلف أصحاب العَروض وعلم الشعر في أعاريض الرَّجَز هل هي من الشعر؟ والصحيح أنه من الشعر؛ لأن الشعر هو كلام موزون تُلتَزَم فيه قوافٍ، والرَّجَزُ كذلك. وأيضًا: فإن قريشًا لما اجتمعوا وتراؤوا فيما يقولون للناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال قائل: نقول: هو شاعر، فقالوا: والله لتكذبنّكم العربُ؛ قد عرفنا الشعر كلّه، هزجه، ورجزه، ومقبوضه، ومبسوطه، فذكروا الرجز من جملة أنواع الشعر، وإنما أخرجه من جنس الشعر من


(١) ساقط من (ع).
(٢) رواه البخاري تعليقًا (١/ ٥٣٩)، وأبو داود (٤٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>