أو كمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي حَدِيثُ عَهدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَد جَاءَ اللَّهُ بِالإِسلامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالا يَأتُونَ الكُهَّانَ، قَالَ: فَلا
ــ
منع الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن كما قدّمناه، ويعتضد بقوله: إنما هي التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن؛ لأن إنما للحصر، وينفصل عنه بما ثبت من تخصيص هذا الحديث بدعائه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة على أقوام بأعيانهم كما سيأتي، وقد كان الكلام مباحًا في الصلاة حتى تقرر نسخه كما جاء في حديث زيد بن أرقم. ولا يختلف في أن الكلام العمد الذي لا يقصد به إصلاح الصلاة، ولا صَدَرَ من جاهلٍ بمنعه يفسد الصلاة. واختُلف فيه سهوًا، وعمدًا للإصلاح، وجهلا؛ فقال الكوفيون: تفسد الصلاة بالكلام كيفما وقع، والجمهور على خلافهم. وسبب الخلاف: هل الامتناع من الكلام شرط مطلقًا، أو هو شرط في بعض الأحوال دون بعض؟ والصحيح مذهب الجمهور؛ بدليل ما روي في هذا الحديث: من أن معاوية تكلم في الصلاة جاهلا بحكم ذلك، ثم لما فرغ أعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم الكلام، ولم يأمره بالإعادة. وإذا كان ذلك في الجاهل، فالناسي أولى بذلك؛ إذ هو غير مقصِّر ولا ملوم. وأما الكلام لإصلاح الصلاة، فقد صحَّت فيه الأحاديث على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وأما تشميت العاطس، فهو كلام مع مخاطب عمدًا فيفسد الصلاة، وأما تحميده هو بنفسه، فروي عن ابن عمر والشعبي وأحمد أنه يحمد الله ويجهر به، ومذهب مالك والشافعي: أنه يحمد الله تعالى، ولكن سرًّا في نفسه.
وقوله: ومنا رجال يأتون الكُهَّان، الكُهَّان: جمع كاهن؛ ككاتب وكُتَّاب. والكاهن: الذي يتعاطى علم ما غاب عنه. وكانت الكهانة في الجاهلية في كثير من الناس شائعة فاشية، وكان أهل الجاهلية يترافعون إلى الكهان في وقائعهم وأحكامهم، ويرجعون إلى أقوالهم، كما فعل عبد المطلب حيث أراد ذبح ابنه عبد الله في نذر كان نذره، فمنعته عشيرته من ذلك، وَسَرى أَمرُهُم حتى