للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على قدر فهمها؛ إذ أراد أن يظهر منها ما يدل على أنها ليست ممن يعبد الأصنام ولا الحجارة التي في الأرض، فأجابت بذلك، وكأنها قالت: إن الله ليس من جنس ما يكون في الأرض.

وأين: ظرف يُسأل به عن المكان، كما أن متى ظرف يُسأل به عن الزمان، وهو مبني لما تضمّنه من حرف الاستفهام، وحُرِّك لالتقاء الساكنين، وخُصَّ بالفتح تخفيفًا، وهو خبر المبتدأ الواقع بعده، وهو لا يصح (١) إطلاقه على الله تعالى بالحقيقة؛ إذ الله تعالى منزّه عن المكان، كما هو منزّه عن الزمان، بل هو خالق الزمان والمكان، ولم يزل موجودًا، ولا زمانَ ولا مكانَ، وهو الآن على ما عليه كان، ولو كان قابلا للمكان لكان مختصًّا به، ويحتاج إلى مخصِّص، ولكان فيه إما متحركًا وإما ساكنًا، وهما أمران حادثان، وما يتّصف بالحوادث حادث، على ما يبسط القول فيه في علم الكلام، ولما صَدَق قوله تعالى: {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ}؛ إذ كانت تماثله الكائنات في أحكامها، والممكنات في إمكانها، وإذا ثبت ذلك، ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أطلقه على الله بالتوسع والمجاز لضرورة إفهام المخاطبة القاصرة الفهم، الناشئة مع قوم معبوداتهم في بيوتهم، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتعرّف منها: هل هي ممن يعتقد أن معبوده في بيت الأصنام، أم لا؟ فقال لها: أين الله؟ فقالت: في السماء، فقنع منها بذلك، وحكم بإيمانها؛ إذ لم تتمكن من فهم غير ذلك. وإذ نزَّهت الله تعالى عن أن يكون من قبيل معبوداتهم وأصنامهم، ورفعته عن أن يكون في مثل أمكنتهم، وحملها على ذلك: أنها رأت المسلمين يرفعون أبصارهم (٢) وأيديهم إلى السماء عند الدعاء، فتُركت على ذلك في تلك الحال لقصور فهمها، إلى أن يتمكن فهمها وينشرح صدرها؛ إذ لو قيل لها في تلك الحالة: الله تعالى يستحيل عليه المكان


(١) في (ل): لا يصلح.
(٢) في (ع): أصواتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>