للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٤٣٤]- وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ عِفرِيتًا مِنَ الجِنِّ جَعَلَ يَفتِكُ عَلَيَّ البَارِحَةَ لِيَقطَعَ عَلَيَّ الصَّلاةَ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمكَنَنِي مِنهُ،

ــ

مِن بَعدِي إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ} ولما تحقق النبي - صلى الله عليه وسلم - الخصوصية، امتنع من تعاطي ما هَمَّ به من أخذ الجني وربطه. فإن قيل: كيف يتأَتَى ربطه وأخذه واللعب به، مع كون الجن أجسامًا لطيفة روحانية؟ قلنا: كما تَأَتَى ذلك لسليمان - عليه السلام -؛ حيث جعل الله له منهم {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصفَادِ} ولا شك أن الله تعالى أوجدهم على صورٍ تَخُصُّهم، ثم مكّنهم من التشكل في صور مختلفة، فيتمثلون في أي صورة شاؤوا، أو شاء الله، وكذلك فعل الله بالملائكة كما قال تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} وقال - صلى الله عليه وسلم -: . وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني (١)، فيجوز أن يُمَكِّن الله نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من هذا الجنِّي، مع بقاء الجنِّي على صورته التي خُلق عليها، فيوثقه كما كان سليمان - عليه السلام - يوثقهم، ويرفع الموانع عن أبصار الناس، فيرونه موثقًا حتى يلعب به الغلمان. ويجوز أن يشكِّله الله تعالى في صورة جسميِّةٍ محسوسة، فيربطه ويُلعب به، ثم يمنعه من الزوال عن تلك الصورة التي تشكّل فيها، حتى يفعل الله ما همّ به النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي هذا دليل على رؤية بني آدم الجن. وقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُم هُوَ وَقَبِيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم}؛ إخبار عن غالب أحوال بني آدم معهم، والله تعالى أعلم.

وقوله: إن عفريتًا جعل يفتك عليّ البارحة؛ العفريت: المارد من الجن الشديد، ومنه: رجل عِفرِيت؛ أي: شديد الدَّهاء والمكر والحيلة. هكذا صحّ في كتاب مسلم: يَفتِك؛ ومعناه: يغفله عن الصلاة ويشغله. وأصل الفَتك: القتل على غفلة وغِرَّة، ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم -: الإيمان قَيَّد الفَتك (٢). وهكذا مجيء الشيطان


(١) رواه البخاري (٢) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) رواه أحمد (١/ ١٦٦ و ١٦٧) من حديث الزبير، و (٤/ ٩٢) من حديث معاوية. ورواه أبو داود (٢٧٦٩) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>