[٥١٨]- وَعَن جَرِيرَ بنِ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِندَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُم سَتَرَونَ رَبَّكُم - عز وجل - كَمَا تَرَونَ هَذَا القَمَرَ لا تُضَامُونَ فِي رُؤيَتِهِ، فَإِنِ استَطَعتُم أَلا تُغلَبُوا عن صَلاةٍ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُرُوبِهَا. يَعنِي: العَصرَ وَالفَجرَ، ثُمَّ قَرَأَ
ــ
وقد تعسَّف بعض النحويين في تأويلها وردّوها للبدل، وهو تكلف مستغنى عنه، مع أن تلك اللغة مشهورة، لها وجه من القياس واضح يعرف في موضعه. ومعنى التعاقب: إتيان طائفة بعد أخرى، فكأن الثانية تأتي عقيب الأولى. وهؤلاء الملائكة: إن كانوا هم الحفظة، فسؤال الله لهم بقوله: كيف تركتم عبادي؟ إنما هو سؤال عما أمرهم به من حفظهم لأعمالهم وكَتبِهم إياها عليهم. وعلى أنهم هم الحفظة؛ مذهب الجمهور، وإن كانوا غيرهم - وهو الأظهر عندي -، فسؤاله تعالى لهم: إنما هو على جهة التوبيخ لمن قال: {أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا} وإظهارًا لما سبق في معلومه إذ قال لهم: {إِنِّي أَعلَمُ مَا لا تَعلَمُونَ} وهذه حكمة اجتماعهم في صلاة الفجر والعصر، والله تعالى أعلم. أو يكون سؤاله لهم استدعاء لشهادتهم لهم؛ ولذلك قالوا: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون. وهذا من خفي لطفه تبارك وتعالى، وجميل ستره؛ إذ أطلعهم بكرمه عليهم حالة عباداتهم، ولم يطلعهم عليهم ولا جمعهم لهم في حال خلواتهم بلذاتهم وانهماكهم في معاصيهم وشهواتهم، فسبحانه من حليم كريم جليل؛ إذ ستر القبيح وأظهر الجميل. وقد تقدم الكلام على رؤية الله تعالى، وعلى قوله: لا تضامُّون.
وقوله: إن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - يعني: الفجر والعصر -، قال المهلّب: لا تغلبوا؛ أي: على شهودها في