للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كتبه، وتجلَّد فيه حَقَّ الجلادة، حيثُ لم يَنسُبهُ إلى قائله، ومنهم مَن أَخَذَ كتابه فنقله بعينه؛ كأبي زرعة، وأبي حاتم.

فقال محمدُ بنُ الأزهرِ السِّجزِيُّ: كنتُ بالبصرة في مجلسِ سليمانَ بنِ حرب، والبخاريُّ جالس لا يكتب، فقال بعضهم: ما له لا يكتب؟ فقال: يرجع إلى بخارَى فيكتب مِن حفظه.

وقال محمد بن حَمدَوَيهِ: سمعتُ البخاريَّ يقول: أحفظ مائة ألفِ حديثٍ صحيح، وأعرفُ مائتَي ألفِ حديثٍ غير صحيح.

وأخبارُهُ كثيرة، ومناقبُهُ شهيرة، وإمامته وعدالته وأمانته متواترة، كُلُّ ذلك مِن حاله معروف، ومِن فضله موصوف.

والعجبُ مما ذكره أبو محمدِ بنُ أبي حاتم في ترجمة البخاري، فقال: إنَّ أبي وأبا زرعة تركاه - يعني البخاري - لأنه قال: لفظي بالقرآن مخلوق، ولم ينقُل شيئًا من فضائله، وكأنَّه أعرَضَ عنه وصغَّرَ أمره.

قلتُ: وهذا تركٌ يجبُ تَركُه، وتصغيرٌ يتعيَّن ضِدُّه، كيف يُنزل مثلُ هذا الإمام، لحقٍّ أظهَرَهُ في الأنام، وتطاعُ فيه أهواءُ الطَّغَام (١)؟ !

وقد ذَكَر ابن عدي هذه القصَّة، فقال: عُقِدَ له المجلسُ بنيسابور، فدُسَّ عليه سائل، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟ فأعرض عنه، فأَلَحَّ عليه، فقال: القرآنُ قد تم غيرُ مخلوق، وأفعالُ العباد مخلوقة، والسؤالُ عنه بِدعة.

وهذا الذي قاله - رضي الله عنه - هو غايةُ التحقيق والتحرُّز، ولكن نسألُ الله العافيةَ مِن إصابة عينِ الحُسَّاد، ومناكَدَةِ الأضداد ولا شكَّ، إلا أن الرجلَ عُلِمَ فضلُهُ، وكَثُرَ الناسُ عليه فحُسِدَ.

قال عليُّ بنُ صالحِ بنِ محمدٍ البغداديُّ مستَملي البخاري: كان يجتمعُ في مجلس البخاريِّ أكثَرُ من عشرين ألفًا.

قال المصعب: محمدُ بنُ إسماعيلَ أفقهُ عندنا مِن أحمدَ بنِ حنبل، ولو أدركتَ مالكًا ونظَرتَ إلى وجهه، ووَجهِ محمدِ بنِ


(١) "الطعام": أرْذال الناس وأوغادهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>