ذلك نفيُ المطاعن عن كُلِّ مَن تضمَّنه كتاباهما؛ فقد يظهَرُ لغيرهما من النُّقَّاد ما خفي عنهما، لكنَّ هذا المعنى المشارَ إليه قليل نادرٌ لا اعتبارَ به لندوره.
و(قوله: وبذلا جهدهما في تبرئتهما من كل علة): الجُهد، بضمِّ الجيم: الطاقةُ والوُسع، وبفتحها: المَشَقَّة، ويعني بذلك: أنَّهما قد اجتهدا في تصحيح أحاديث كتابَيهِمَا غايةَ الاجتهاد، غير أنَّ الإحاطةَ والكمال، لم يَكمُلَا إلَاّ لذي العظمة والجلال، فقد خَرَّجَ النقاد - كأبي الحسن الدَّارَقُطنِيّ وأبي عليٍّ الجَيَّانيّ - عليهما في كتابيهما أحاديثَ ضعيفةً وأسانيدَ عليلة، لكنَّها نادرة قليلة، وليس فيها حديث متّفق على تركه، ولا إسناد مجمَع على ضعفه، لكنّها ممَّا اختُلِفَ فيه، ولم يَلُح لواحدٍ منهما في شيء منها قدحٌ فيخفيه، بل ذلك على حَسِبَ ما غلَبَ على ظَنِّه، وحصل في علمه، وأكثرُ ذلك ممّا أردفاه على إسناد صحيح قبله؛ زيادةً في الاستظهار، وتنبيهًا على الإشهار، والله أعلم.
وسيأتي التنبيه على بعض تلك الأحاديث، إن شاء الله تعالى.
(فقوله: فتمَّ لهما المراد، وانعقَدَ الإجماعُ على تلقيبهما باسم الصحيحين أو كاد): هذه أو كاد: معطوفة على تَمَّ لهما المراد، وتحرَّزنا بها عن الأحاديثِ المُعلّلةِ المنتَقَدةِ عليهما؛ كما ذكرناه آنفاً.
وأمَّا انعقادُ الإجماعِ على تسميتهما بالصحيحَين: فلا شَكَّ فيه؛ بل قد صار ذِكرُ الصحيح عَلَمًا لهما، وإن كان غيرهما بعدهما قد جمَعَ الصحيح (١) واشترَطَ الصِّحَّةَ؛ كأبي بكرٍ الإسماعيلي الجُرجَانيِّ،