في دخول الجنب، فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء لزم منه أنه لا يجب عليه تحيته عند دخوله؛ إذ لو كان ذلك للزمه أن يتوضأ عند إرادة الدخول، فإن قيل: الخطاب بالتحيّة لمن كان متوضئًا، قلنا: هذا تحكُّم، وعدول عن الظاهر بغير دليل؛ فإنه متوجه لداخل المسجد فيلزم ما ذكرناه. وقد عدّها بعض أصحابنا في السنن. ثم هل يحيّي المسجد في أيّ الأوقات دخله؟ أو لا يحييه في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها؟ قولان: الأول لبعض أهل الظاهر، والثاني للجمهور. فلا يحيي المسجد عندهم بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، غير أن الشافعي منع منها حالة الطلوع وحالة الغروب، وأجازها فيما قبل ذلك، بناء منه على أن أصله في أن كل صلاة يتعيّن فعلها بحسب سببها فجائز فعلها ما لم تطلع الشمس وما لم تغرب، وسيأتي الكلام على هذا الأصل. وسبب الخلاف في تلك المسألة: اختلاف ظواهر الأحاديث؛ إذ تعليق الأمر بالتحية على الدخول يقتضي فعلها متى دخل المسجد، وعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - لا صلاة بعد العصر وبعد الصبح (١) يقتضي ألا تفعل. وكذلك اختلفوا في تحية المسجد بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح، فقال بجواز ذلك الشافعي وأحمد وداود. وقال بالمنع أبو حنيفة والليث والأوزاعي. واختلف عن مالك فيمن ركع ركعتي الفجر في بيته: هل يحيي المسجد أو لا يحييه؟ قولان عنه. وهذا الخلاف فيمن أراد الجلوس في المسجد، فأما العابر فخفف فيه أكثرهم، وهو قول مالك، ومنهم من أمره به، وهو قياس مذهب أهل الظاهر. واختلف قول مالك في تحية المسجد إذا صليت العيد فيه، ورأى في مسجد مكة تقديم الطواف على التحية، وفي مسجد المدينة تقديم التحية
(١) رواه أحمد (٣/ ٩٥)، والبخاري (١٨٦٤)، ومسلم (٨٢٧)، والنسائي (١/ ٢٧٧ و ٢٧٨) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.