للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شافيًا كافيًا حقًا لا مرية فيه من الله رب العالمين، كما تقدم في حديث الحارث الأعور، عن علي بن أبي طالب: "فيه خَبَرُ ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وفصل ما بينكم"، أي: خَبَر عما سلف وعما سيأتي، وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه.

وقوله: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أي: إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا من عند الله، وقلتم كذبًا ومَيْنا: "إن هذا من عند محمد"، فمحمد بشر مثلكم، وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن، فأتوا أنتم بسورة (١) مثله، أي: من جنس القرآن، واستعينوا على ذلك بكل من قَدرتم عليه من إنس وجان.

وهذا هو المقام الثالث في التحدي، فإنه تعالى تحداهم ودعاهم، إن كانوا صادقين في دعواهم، أنه من عند محمد، فلتعارضوه (٢) بنظير ما جاء به وحده واستعينوا بمن شئتم (٣) وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك، ولا سبيل لهم إليه، فقال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨]، ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه، فقال في أول سورة هود: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [هود: ١٣]، (٤) ثم تنازل إلى سورة، فقال في هذه السورة: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (٥) وكذا في سورة البقرة -وهي مدنية -تحداهم بسورة منه، وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبدا، فقال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ﴾ الآية: [البقرة: ٢٤].

هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم، وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى في هذا الباب، ولكن جاءهم من الله ما لا قِبَلَ لأحد به، ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلاغة هذا الكلام وحلاوته، وجزالته وطلاوته، وإفادته وبراعته، فكانوا أعلم الناس به، وأفهمهم له، وأتبعهم له وأشدهم (٦) له انقيادا، كما عرف السحرة، لعلمهم (٧) بفنون السحر، أن هذا الذي فعله موسى، ، لا يصدر إلا عن مُؤيَّد مُسَدد مرسل من الله، وأن هذا لا يستطاع لبشر إلا بإذن الله. وكذلك عيسى، ، بُعِث في زمان علماء الطب ومعالجة المرضى، فكان يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ومثل هذا لا مدخل للعلاج والدواء فيه، فعرف من عرف منهم أنه عبد الله (٨) ورسوله؛ ولهذا جاء في الصحيح، عن رسول الله أنه قال: "ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا " (٩).


(١) في ت، أ: "من مثله".
(٢) في ت، أ: "فليعارضوه".
(٣) في ت، أ: "وليستعينوا بمن شاءوا
(٤) في ت: "ما" وهو خطأ.
(٥) في ت: "ما" وهو خطأ.
(٦) في ت، أ: "وأشهرهم".
(٧) في ت، أ: "بعلمهم".
(٨) في ت: "من عبد الله"، وفي أ: "من عند الله".
(٩) رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٩٨١) ومسلم في صحيحه برقم (١٥٢) من حديث أبي هريرة .