للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَن يُصَلِّيَ عَلَيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُصَلِّيَ عَلَيهِ، فَقَامَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِثَوبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلِّي عَلَيهِ وَقَد نَهَاكَ اللهُ أَن تُصَلِّيَ عَلَيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ

ــ

أبيّ، فتارة ينسب أبيّ إليها وتارة إلى أبيه مالك، وكان عبد الله هذا سيد الخزرج في آخر جاهليتهم، فلما ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - وانصرف الخزرج وغيرهم إليه حسده عبد الله وناصبه العداوة، غير أن الإسلام غلبه فنافق، وكان رأسًا في المنافقين، وهو أعظمهم نفاقًا وأشدهم كفرًا، وكان المنافقون خلقًا كثيرًا، حتى لقد روي عن ابن عباس أنهم كانوا ثلاثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة، وكان لعبد الله هذا ولد اسمه عبد الله هو من فضلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أصدقهم إسلامًا وأكثرهم عبادة وأشرحهم صدرًا رضي الله عنه، وكان أبرَّ الناس بأبيه هذا، ومع ذلك؛ فقال يومًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إنك لتعلم أني من أبرِّ الناس بأبي، ولكن إن أمرتني أن آتيك برأسه فعلت! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نعفو عنه (١). فكان من أحرص الناس على إسلام أبيه وعلى أن ينتفع أبوه من بركات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء، ولذلك لما مات سأل ابنُه النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه لينال من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصه، وسأله أن يصلي عليه فصلّى عليه، كل ذلك إكرام لابنه وإسعاف له في طلبته (٢). وقد روي أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أعطاه قميصه لأن عبد الله كان قد أعطى العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر قميصًا، وذلك أن العباس أُسر يوم بدر وسلب، فمرَّ به عبد الله فأعطاه قميصه، فكافأه النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك.

وقول عمر - رضي الله عنه - في هذا الحديث أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلّي عليه؟ يحتمل أن يقال: كان هذا قبل نزول قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ


(١) ذكره ابن هشام في السيرة (٢/ ٢٩٣). وانظر: فتح الباري (٨/ ٦٥٠).
(٢) حديث صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابن أبي بن سلول، وَرَدَ في صحيح مسلم برقم (٢٤٠٠/ ٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>