للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَن تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنيَانِ.

ــ

و(قوله: وَأَن تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنيَانِ).

الحُفَاةُ: جمعُ حافٍ، وهو الذي لا يلبس في رِجلهِ شيئًا. والعُرَاة: جمعُ عارٍ، وهو الذي لا يلبس على جَسَدِهِ ثوبًا. والعَالَةُ مخفَّفةَ اللام: جمع عائل، وهو الفقير، والعَيلة: الفقر؛ يقال: عال الرجلُ يَعِيل عَيلَةً: إذا افتقر، وأَعال يُعِيلُ: إذا كَثُرَ عياله، وهذه الأوصاف هي غالبة على أهل البادية، وقد وصفهم في حديث أبي هريرة بأنهم صُمٌّ بكم عمي، ويعني بذلك - والله تعالى أعلم -: أنهم جَهَلَةٌ رَعَاعٌ، لم يستعملوا أسماعهم ولا كلامهم في عِلمٍ ولا في شيء من أمر دينهم، وهذا نحو قوله تعالى: صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ فَهُم لَا يَعقِلُونَ؛ أطلَقَ ذلك عليهم مع أنَّهم كانت لهم أسماعٌ وأبصار، ولكنَّهم لما لم تحصُل لهم ثمراتُ تلك الإدراكات، صاروا كأنَّهم عَدِمُوا أصلَهَا، وقد أوضح هذا المعنى قولُهُ تعالى: لَهُم قُلُوبٌ لَا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لَا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لَا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ.

ومقصودُ هذا الحديث: الإخبارُ عن تبدُّلِ الحال وتغيُّره؛ بأن يستولي أهلُ الباديةِ الذين هذه صفاتُهم على أهل الحاضرة، ويتملَّكوا بالقهر والغلبة، فتكثُرَ أموالُهُم، وتتسعَ في حُطَامِ الدنيا آمالُهُم، فتنصرفَ هِممهُم إلى تشييد المَبانِي، وهَدمِ الدين وشريفِ المعاني، وأنَّ ذلك إذا وُجِدَ، كان من أشراط الساعة.

ويؤيِّد هذا: ما ذُكِرَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا تقومُ الساعةُ حتى يكونَ أَسعَدَ الناسِ بالدنيا لُكَعُ بنُ لُكَعَ (١) وقد شوهد هذا (٢) كلُّه (٣) عِيَانَا، فكان ذلك على صِدقِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قرب الساعة حُجَّةً


(١) رواه أحمد (٥/ ٣٨٩)، والترمذي (٢٢١٠).
"اللكع": اللئيم.
(٢) في (ط) و (ل): ذلك.
(٣) من (ل).

<<  <  ج: ص:  >  >>