للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: ثُمَّ انطَلَقَ،

ــ

وبرهانَا، وفيه: دليلٌ على كراهية ما لا تدعو الحاجةُ إليه مِن تطويلِ البناء وتشييدِه؛ وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: يُؤجَرُ ابنُ آدَمَ في كلِّ شيء إلا ما يَضَعُهُ في هذا التراب (١) ومات رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يَضَع حَجَرًا على حجرِ، ولا لَبِنَةً على لبنة، أي: لم يشيِّد بناءً، ولا طوَّله، ولا تأنَّق فيه.

والرِّعَاء: جمعُ راع، وأصلُ الرعي: الحفظ. والشاء: جمع شاة، وهو من الجمعِ الذي بينه وبين واحده الهاء، وهو كثيرٌ فيما كان خِلقَةً لله تعالى؛ كشَجَرَةٍ وشَجَر، وثَمَرَةٍ وثَمَر، وإنما خَصَّ رِعَاءَ الشاء بالذِّكر؛ لأنهم أضعفُ أهلِ البادية.

والبَهم بفتح الباء: جمعُ بَهيمَة، وأصلها: صغار الضَّأن والمَعز، وقد يختصُّ بالمعز، وأصله من استبهَمَ عن الكلام، ومنه البهيمة.

ووقع في البخاري: رِعَاءُ الإبلِ البُهمُ بضم الباء، جمع بَهِم، وهو: الأسود الذي لا يخالطه لونٌ آخر، وقُيِّدَت ميم البُهم بالكسر والضم، فمَن كسرها جعلها صفةً للإبل، ومن رفعها جعلها صفةً للرعاء، وقيل: معناه: لا شيءَ لهم؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام -: يُحشَرُ الناسُ يومَ القيامة حُفَاةً عُرَاةً غرلا (٢).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: وهذا التأويلُ فيه نظر (٣)؛ لأنه قد نَسَبَ لهم إِبِلاً، وظاهرها المِلكُ، وقال الخَطَّابيُّ: هو جمعُ بَهِيمٍ، وهو المجهولُ الذي لا يُعرَف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: والأَولَى أن يُحمَلَ على أنَّهم سودُ الألوان؛ لأن الأَدَمَةَ غالبة على ألوانهم، وروايةُ مسلم في رعاء البَهمِ من غير ذكر الإبل أولى؛ لأنَّها الأنسب لِمَسَاقِ الحديث ولمقصوده؛ فإنَّ مقصودَهُ، أنَّ أضعف


(١) رواه البخاري (٥٦٧٢) بلفظ: "إنّ المسلم ليؤجر في كلِّ شيء ينفقه؛ إلا في شيء يجعله في هذا التراب".
(٢) رواه البخاري (٦٥٢٧)، ومسلم (٢٨٥٩) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) في (ط) و (ل): بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>