أهل البادية وهم رعاء الشاء، سينقلب بِهِمُ الحال إلى أن يصيروا ملوكًا مع ضعفهم وبُعدِهِم عن أسباب ذلك، وأمَّا أصحابُ الإبل فهم أهلُ الفخرِ والخُيَلَاء؛ فإنَّ الإبل عِزُّ أهلها، ولأنَّ أهلَ الإبل ليسوا عالةً ولا فقراءَ غالبًا.
و(قوله: وَتُؤمِن بالبعثِ الآخِرِ) وصفُ البعثِ بالآخر يَحتَمِلُ أن يكون (١) على جهة التأكيد، كما قالوا: أَمسِ الدابرُ، وأَمسِ الذاهبُ. ويَحتمل أن يقال: إن البعث: إحياءٌ بعد إماتة، وقد فعل الله ذلك مرتين؛ فأحياناً بعد أَن كنَّا نُطَفًا وعَلَقًا ومُضَغًا وهي أمواتٌ، ثم يحيينا ليومِ القيامة وهو البَعثُ الآخِر؛ كما قال الله تعالى: كَيفَ تَكفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُم أَموَاتًا فَأَحيَاكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم قال أهلُ التفسير: أمواتًا في حال كوننا نُطفًا وعَلَقًا في الأرحام، ثُمَّ نفخَ الرُّوحَ وأحيا.
و(قوله: فعجبنا له يَسأَلُهُ ويُصَدِّقُهُ)؛ إنَّما تعجَّبوا من ذلك؛ لأنَّ ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُعرَفُ إلا مِن جهته، وليس هذا السائلُ مِمَّن عُرِفَ بلقاءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا بالسَّمَاعِ منه، ثم هو قد سأل سؤالَ عارفٍ محقِّقٍ مصدِّقٍ؛ فتعجَّبوا من ذلك تعجُّبَ المُستَبعِدِ لأن يكونَ أحدٌ يعرف تلك الأمورَ المسؤولَ عنها من غير جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
و(قوله: فَلَبِثَ مليًّا) أي: أقام بعد انصرافه حينًا، يعني: النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ويُروى: فَلَبِثتُ بتاء مضمومة للمتكلِّم، فيكونُ عمر هو الذي أخبَرَ بذلك عن نفسه، وكلاهما صحيحُ المعنى.