[٨] وعَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: سَلُونِي، فَهَابُوهُ أَن يَسأَلُوهُ،
ــ
و(قوله: إنَّه جبريل) دليلٌ على أنَّ الله تعالى مكَّنَ الملائكةَ من أن يتمثَّلوا فيما شاؤوا من صور بني آدم؛ كما قد نصّ الله تعالى على ذلك في قوله تعالى: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا.
وقد كان جبريلُ يتمثَّلُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في صورة دِحيَةَ بنِ خَلِيفَة، وقد كان لجبريل صورةٌ خاصَّة خُلِقَ عليها لم يَرَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليها غير مرتين؛ كما صحَّ الحديث بذلك؛ وهذا يدلُّ على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عرَفَ جبريلَ لكن في آخر الأمر، فأمَّا قبلَ ذلك، فقد جاء في كتاب البخاري: التصريحُ بأنَّه لم يَعرِف أنَّهُ جبريلُ إلا في آخر الأمر.
و(قوله: أتاكم يُعلِّمُكُم دِينَكُم) أي: قواعدَ دينكم، أو كُلِّيَّاتِ دينكم؛ قال القاضي (١): وهذا الحديث قد اشتمل على جميعِ وظائف العبادات الظاهرة والباطنة؛ مِن عقودِ الإيمان، وأعمالِ الجوارح، وإخلاصِ السرائر، والتحفُّظِ مِن آفاتِ الأعمال، حتى إنَّ علومَ الشريعة كُلَّهَا راجعةٌ إليه، ومتشعِّبَةٌ منه.
قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: فيصلُحُ هذا الحديث أن يقالَ فيه: إنه أُمُّ السُّنَّة؛ لما تضمَّنه مِن جُمَلِ عِلمِ السُّنَّة، كما سُمِّيَتِ الفاتحةُ: أُمُّ الكتاب؛ لما تضمَّنته مِن جملِ معاني القرآن، كما سيأتي بيانُهَا، إن شاء الله تعالى.
(قوله عليه الصلاة والسلام -: سَلُونِي؛ فَهَابُوهُ أَن يَسأَلُوهُ) كان هذا منه لمَّا