أكثروا عليه من الأسئلة، واستشعروا أنّه كان هناك مَن سأل تعنتًا وتجهيلاً، فَغَضِبَ لذلك حتى احمَرَّ وجهُهُ، وجعَلَ يقول: سلوني سلوني؛ فوالله لا تسألوني عن شَيءٍ إلا أخبرتُكُم به ما دُمتُ في مقامي هذا فدخل الناسَ مِن ذلك خوفٌ، فلم يَزَل كذلك حتَّى بَرَكَ عمَرُ بين يدَيهِ، وجعل يقول: رَضِينَا باللهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبمحمَّدٍ رسولاً، حتى سكَنَ غضبه - صلى الله عليه وسلم -، وسيأتي الحديث بكماله (١).
وفي ذلك الوقت أنزَلَ اللهُ تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسأَلُوا عَن أَشيَاءَ إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم}؛ فانكفَّ الناسُ عن سؤالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك قال: نُهِينَا أن نسأَلَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء؛ فلمَّا انكفُّوا عن ذلك؛ امتثالاً لأمر الله تعالى، وتعظيمًا لحرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عَلِمَ اللهُ ذلك منهم، فأرسَلَ السائلَ البصير، فأجابه العالِمُ الخبير، فجعلَ العلم للسامعينَ الممتثلينَ مِن غير سؤال، كما قد كَفَى اللهُ المؤمنينَ القتالَ، وقد نبَّه على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: هذا جِبرِيلُ؛ أَرَادَ أَن تَعَلَّمُوا إِذ لَم تَسأَلُوا.
وقولُهُ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في جوابه عن الإسلام: تعبُدُ الله لا تُشرِكُ بِهِ شَيئًا، بدَلَ قوله في حديث عمر: أن تَشهَدَ أن لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ. . . إلى آخره، فهو نقلٌ بالمعنى، وحديثُ عمر نَقلٌ باللفظ، والله أعلم.
وتقييدُهُ في هذا الحديث الصلاةَ بالمكتوبة، والزكاةَ بالمفروضة: دليلٌ على أنَّ النوافلَ لا تدخُلُ في مسمَّى الإسلامِ الشرعيِّ، فيخرُجُ منه الصلواتُ المسنونات وغيرها، وزكاةُ الفِطرِ على قولِ مَن يَرى أنها سنَّة، وصدقاتُ التطوُّع، وهذا كلّه يدور على القولِ بدليلِ الخطاب على ما أوضَحناه في الأصول.