فَقَالَ: لا، إِلَاّ أَن تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: هَل عَلَيَّ غَيرُهُ؟ قَالَ: لا، إِلاّ أَن تَطَّوَّعَ، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ، فقَالَ: هَل عَلَيَّ غَيرُهَا؟ قَالَ: لا، إِلاّ أَن تَطَّوَّعَ، قَالَ: فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وهو يَقُولُ: وَالله، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنقُصُ مِنهُ! !
ــ
أبو حنيفة، فقال: إنَّه واجبٌ، ولا يسمِّيه فرضًا؛ لأنَّ الفرضَ عنده ما كان مقطوعًا بلزومه؛ كالصلوات الخمس.
و(قوله: هَل عَلَيَّ غَيرُهُنَّ؟ فَقَالَ: لَا، إِلَاّ أَن تَطَّوَّعَ) ظاهرٌ في أنَّ معنى هذا الكلامِ: هل يجبُ عليَّ مِن تطوعِ الصلواتِ شيءٌ غيرُ هذه الخَمس؟ فأجابه: بأَنَّهُ لا يَجِبُ عليه شيءٌ، إلَاّ أن تَطَّوَّعَ، فَيَجِبُ عليك.
وهذا ظاهرٌ؛ لأنَّ أصلَ الاستثناءِ من الجنس، والاستثناءُ من غير الجنس مُختَلَفٌ فيه، ثُمَّ هو مَجَازٌ عند القائلِ به. فإذا حَمَلنَاه على الاستثناءِ المتَّصِل، لَزِمَ منه أن يكون التطوُّعُ واجبًا، ولا قائلَ به؛ لاستحالتِهِ وتناقُضِهِ، فلم يَبقَ إلَاّ ما ذهب إليه مالكٌ، وهو أنَّ التطوُّعَ يصيرُ واجبًا بنفس الشروع فيه، كما يصير واجبًا بالنذر؛ فالشروعُ فيه التزامٌ له؛ وحينئذٍ: يكونُ معنى قوله: أن تَطَّوَّعَ: أن تشرَعَ فيه وتبتدئه، ومن ادَّعى أنَّه استثناءٌ من غير الجنسِ، طولبَ بتصحيحِ ما ادَّعاه، وتمسَّك مانعُهُ بالأصل الذي قرَّرناه.
و(قوله: فأدبر الرجل وهو يقول: واللهِ لا أزيد على هذا ولا أنقص) قيل معناه: لا أُغيِّر الفروض المذكورة بزيادة فيها ولا نقصان منها. ولا يصحّ أن يقال: إنّ معناه: لا أفعل شيئًا زائدًا على هذه الفرائض المذكورة من السنن، ولا من فروض أُخَر إن فُرضت، فإنّ ذلك لا يجوزُ أن يقوله ولا يعتقده؛ لأنَّهُ مُنكَرٌ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يُقِرُّ على مثله.