وكان هذا التردد منهم: لأنهم ما كانوا يرون العمرة جائزة في أشهر الحج، وكانوا يقولون: إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور. فبيَّن جواز ذلك لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله عند الإحرام بلفظ الإباحة، ثم إنه لما رأى أكثر الناس قد أحرم بالحج مجتنبًا للعمرة أمرهم بالتحلل بالعمرة عند قدومهم مكة، تأنيسًا لهم، فلما رأى استمرارهم على ذلك عزم عليهم في ذلك، فامتثلوا، فتبين بقوله، ويحملهم على ذلك الفعل: أن بالعمرة في أشهر الحج جائز، ولما كان ذلك التحلل لذلك المعنى فهم الصحابة أن ذلك مخصوص بهم، ولا يجوز لغيرهم ممن أحرم بالحج أن يحل بعمل العمرة، ولقول الله تعالى:{وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ لِلَّهِ} كما قال عمر رضي الله عنه: إن القرآن نزل منازل فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله. ولذلك قال أبو ذر: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة؛ يعني بذلك: تمتعهم بتحللهم من حجهم بعمل العمرة. وقد ذهب بعض أهل الظاهر: إلى أن ذلك يجوز لآخر الدَّهر. والصحيح الأول؛ لما سبق.
وقولها:(فسمعت بالعمرة)؛ كذا لجمهور رواة مسلم. وفي كتاب ابن سعيد:(فمنعت العمرة)، وهو الصواب.
وقوله:(فعسى الله أن يرزقكيها)؛ أي: العمرة التي أردفت عليها الحجة، ولم تفرغ من عملها، فرجا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحرز الله لها أجر عمرتها وإن لم تعمل لها عملاً خاصًّا، كما قال لها:(يسعك طوافك لحجك وعمرتك).