للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَتَّى إِذَا أَتَينَا البَيتَ مَعَهُ استَلَمَ الرُّكنَ،

ــ

يُهل بحج فليفعل، ومن أراد أن يُهل بعمرة فليفعل، ومن أراد أن يُهل بحج وعمرة فليفعل)، فارتفع ذلك الوهم الواقع لهم، كما سيأتي هذا إن شاء الله تعالى.

و(يستلم الركن) أي: يلمس الحجر الأسود بفيه، وسُمِّي الحجر: ركنًا؛ لأنه في الركن. و (الرَّمل): تقريب بين المشي والسير. وبفعله - صلى الله عليه وسلم - هذا تقرر أن الرَّمل في الأشواط الثلاثة سنَّة راتبة، وإن كان أصل مشروعيته في عمرة القضاء ليرى أهل مكة قوَّتهم، وجلدهم، كما في حديث ابن عباس على ما يأتي؛ لكن لما فعله في حجة الوداع مع زوال ذلك المعنى تحقق أنه تعبد، وأنه سُنَّة. وهذا الطواف المذكور هنا؛ هو المسمَّى بطواف القدوم وهو سنَّة مؤكدة يجب بتركه دم على غير المراهق (١). وهو قول أبي ثور، وأحد قولي مالك. وقيل: لا يجب بتركه دم، ويجزئ عنه طواف الإفاضة، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي. ولا يخاطب بطواف القدوم مكيِّ.

والأطواف الثلاثة: هذا، وطواف الإفاضة، ويسمَّى: طواف الزيارة؛ لأن الطائف يزور البيت من مِنى، فيطوفه. وقد أجاز الحنفي وغيره هذه التسمية، وكره مالك أن يقال: طواف الزيارة. وطواف الوداع، وهو الذي يفعل عند الصَّدر من مكة. ولا دم على تاركه، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وقوله: (وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله) يعني: إنه إنما كان يفعل من أفعال الحج بحسب ما ينزل عليه به الوحي، فيفهمه هو ويبينه للناس بفعله، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (خذوا عنِّي مناسككم) (٢)، فكانوا كما قال جابر: إذا عمل شيئًا


(١) "المراهق": هو الذي ضاق عليه الوقتُ بالتأخير حتى يخاف فوت الوقوف بعرفة.
(النهاية ٢/ ٢٨٤).
(٢) رواه مسلم (١٢٩٧)، وأبو داود (١٩٧٠)، والنسائي (٥/ ٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>