القاضي إسماعيل: إنه يجوز أن ينحر بمكة أيام منى، وقد حكى أنه مذهب مالك. فأما في العمرة فالنحر بها بمكة في بيوتها، وطرقها، وفجاجها. ويجزئ عند مالك النحر في العمرة بمنى، فإن نحر بغير منى ومكة في الحج والعمرة لم يجز عنده. وجاز عند أبي حنيفة، والشافعي بأي موضع كان من الحرم، قالا: والمقصود: مساكين الحرم، لا الموضع منه. وأجمعوا: أنه لا يجوز فيما عدا الحرم، ولا يجوز في البيت والمسجد نحر ولا ذبح.
وقوله:(فنحر ثلاثًا وستين بيده) هكذا رواية الجماعة، وعند ابن ماهان:(بدنة) مكان (بيده)، وكلٌّ صواب. وفيه ما يدل على أن الأولى للمهدي أو للمضحي أن يتولى ذلك بيده.
وإعطاؤه ما بقي لعليٍّ لينحرها دليل على صحة النيابة في ذلك، غير أنه روي في غير كتاب مسلم: أنه إنّما أعطاه إياها ليهديها عن نفسه. ويدل عليه قوله: وأشركه في هديه. وعلى هذا: فلا يكون فيه حجة على الاستنابة. وقيل: إنما نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا وستين بدنة؛ لأنها هي التي أتى بها من المدينة، كما ذكره الترمذي. وقيل: إنما خصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك العدد؛ لأنه منتهى عمره صلى الله عليه وسلم على ما هو الأصح في ذلك، فكأنه أهدى عن كل سنة من عمره بدنة.
وقوله:(ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدرٍ، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها) إنما فعل هذا ليمتثل قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنهَا} وهما وإن لم يأكلا من كل بضعة، فقد شربا من مرق كل ذلك. وخصوصية عليّ بالمؤاكلة دليل على أنه أشركه في الهدي.
وفيه دليل: على أن من حَلَف لا يأكل لحمًا فشرب مرقه: أنه يحنث.