للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المساواة بين مسجدين معينين لهما مزية على غيرهما من المساجد بحيث يصلح أن يقال على كل واحدٍ منهما أسس على التقوى، وذلك أنه رأى مسجد قباء أول مسجد بناه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وذلك أنه لما هاجر - صلى الله عليه وسلم- نزل على بني عمرو بن عوف في قباء يوم الاثنين فأقام فيهم أيامًا وأسس فيها مسجد قباء، ثم إنه ارتحل عنهم يوم الجمعة إلى بني سالم بن عوف فصلَّى عندهم الجمعة، وهي أول جمعة جمعت في الإسلام، ثم إنه دخل المدينة فنزل على بني مالك بن النجار على أبي أيوب فأسس مسجده بالمربد الذي كان للغلامين اليتيمين، فاشتراه من الناظر لهم على ما تقدَّم في كتاب الصلاة، فلما تساوى المسجدان المذكوران في بناء النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لهما صار كل واحدٍ من المسجدين مؤسسًا على التقوى، فلما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} أشكل التعيين، فسئل عن ذلك، فأجاب بأنه مسجد المدينة. فإن قيل: إذا كان كل واحد منهما أسس على التقوى، فما المزية التي أوجبت تعيين مسجد المدينة؟ قلنا: يمكن أن يقال إن بناء مسجد قباء لم يكن بأمرٍ جزم من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، بل ندب إليه، أو كان رأيًا رآه، بخلاف مسجد المدينة فإنه أمر بذلك وجزم عليه، فأشبه (١) امتثالَ الواجب، فكان بذلك الاسم أحق. أو حصل له - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه رضي الله عنهم من الأحوال القلبية عند بنائه ما لم يحصل لهم عند غيره فكان أحق بذلك، والله أعلم.

ويلزم من تعيين النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجده لأن يكون هو المراد بقوله تعالى: {لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} أن يكون الضمير في {فِيهِ رِجَالٌ} عائد على المسجد الذي أسس على التقوى؛ لأنه لم يتقدمه ظاهر غيره يعود عليه، وليس الأمر كذلك، بدليل ما رواه أبو داود من طريق صحيحة عن


(١) في (ع) و (ج): أسسه، والمثبت من باقي النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>