وقوله:(هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: كلاكما قتله)؛ هذا يدل على: أن للإمام أن ينظر في شواهد الأحوال ليترجح عنده قول أحد المتداعيين، وذلك أن سؤاله عن مسح السيفين إنما كان لينظر إن كان تعلق بأحدهما من أثر الطعام (١) أو الدَّم ما لم يتعلق بالآخر، فيقضي له، فلما رأى تساويَ سيفيهما في ذلك قال:(كلاكما قتله)، ومع ذلك فقضى بالسلب لأحدهما، فكان ذلك أدل دليل على صحة ما قدَّمناه من مذهب مالك، وأبي حنيفة. وقد اعتذر المخالفون عن هذا الحديث بأوجه:
منها: أن هذا منسوخ بما قاله يوم حنين. وهو فاسد لوجهين:
أحدهما: أن الجمع بينهما ممكن. كما قدمناه، فلا نسخ.
والثاني: أنَّه قد روى أهل السِّير وغيرهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر:(من قتل قتيلًا فله سلبه)؛ كما قال يوم حنين. وغايته: أن يكون من باب تخصيص العموم على ما قلناه.
ومنها: أن بعض الشافعية قال: إنما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لأنه استطاب نفس أحدهما. وهذا كلام غير محصل، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيب الأنفس بما لا يحل. ثم كيف يستطيب نفس هذا بإفساد قلب الآخر؟ هذا مما لا يليق بذوي المروءات، فكيف بخاتم النبوات؟ !
ومنها: أنه لعله أن يكون رأى على سيف أحدهما من الأثر ما لم ير على الآخر، فأعطاه السلب لذلك، وقال:(كلاكما قتله) تطييبًا لقلب الآخر. وهذا
(١) كذا في جميع النسخ، وفي إكمال إكمال المعلم للأبي: الطعان.