النطقِ بالشهادة بالرسالةِ أو بما يدلُّ عليها، لكنَّهُ سكَتَ عن كلمة الرسالة؛ لدلالة كلمة التوحيد عليها؛ لأنَّهما متلازمان، فهي مرادةٌ قطعًا.
ثُمَّ النطقُ بالشهادتَين يدلُّ على الدخولِ في الدِّينِ والتصديقِ بكلِّ ما تضمَّنه؛ وعلى هذا: فالنطقُ بالكلمةِ الأولى يفيدُ إرادةَ الثانية، كما يقال: قرأتُ: الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ والمرادُ جميعُ السورة. ويدلُّ على صِحَّةِ ما قلناه: الرواياتُ الأُخَرُ التي فيها: أُمِرتُ أَن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ، وفي لفظٍ آخر: أُمِرتُ أَن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَيُؤمِنُوا بِي، وَبِمَا جِئتُ بِهِ. غير أنَّ أبا بكر وعمر لم يَحضر لهما في وقتِ هذه المناظرة غيرُ ذلك اللفظِ الذي ذكراه؛ إذ لو حضر لهما قولُهُ - عليه الصلاة والسلام -: أُمِرتُ أَن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ، لارتفَعَ البحثُ بينهما؛ لأنَّ هذا اللفظَ نَصُّ في المطلوب، وأوضَحُ في الدلالة ممَّا استدَلَّ به أبو بكر مِن قوله: لَأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بَينَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.
ويعني بهذا أبو بكر - واللهُ أعلَم -: أنَّ الله تعالى قد سوَّى بين الصلاة والزكاة في الوجوب في قولِهِ تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ؛ وفي غيرها، فقد جمَعَ اللهُ تعالى بينهما في الأمر بهما، والصلاةُ المأمورُ بها واجبةٌ قطعًا؛ فالزكاةُ مثلُهَا، فمَن فرَّقَ بينهما قُوتِلَ.
ويمكنُ أَن نشِيرَ بذلك إلى قولِهِ تعالى: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم، ودليلُ خطابها: أنَّ مَن لم يفعَل جميعَ ذلك لَم يُخَلَّ سبيلُهُ، فيقاتَلُ إلى أن يُقتَلَ أو يتوبَ، وبهذه الآية وبذلك الحديث استدلَّ الشافعيُّ ومالك ومَن قال بقولهما على قَتلِ تاركِ الصلاة وإن كان معتقدًا لوجوبها؛ على ما يأتي إن شاء الله تعالى.