وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الكتاب الذي كتبه إليه:(إلى هرقل عظيم الروم)؛ أي الذي تعظمه الروم، وهو مفاتحته بخطاب استلطاف، ويقتضي التأنيس، والاستئلاف، مع أنه حق في نفسه، فإنه كان معظمًا في الروم، وكان أعظم ملوكهم.
وقوله:(سلام على من اتبع الهدى)؛ عدول عن السلام عليه؛ لأن الكافر لا يفاتح بالسلام إلى التعريض له باتباع طريق الهداية، وقد رأى بعض أهل العلم: أن السلام على أهل الكفر والبدع هكذا يكون.
و(دعاية الإسلام) بكسر الدال، وهي في أصلها: مصدر: دعا، يدعو، دعوة. ودعاية، كرمى، يرمي، رمية، ورماية، وشكا، يشكو، شكوة، وشكاية. ويعني بها هنا: كلمتي الإسلام، وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. وأما رواية:(داعية) فهي صفة للكلمة المحذوفة، فكأنه قال: بالكلمة الداعية للإسلام.
وقوله:(أسلم تسلم)؛ يعني: ادخل في دين الإسلام تسلم في الدنيا من الخزي وفي الآخرة من العذاب، وهو من التجنيس البديع.
وقوله:(يؤتك الله أجرك مرتين)؛ يعني: باتباعه لدين عيسى - عليه السلام-، وباتباعه لدين محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كقوله -عليه الصلاة والسلام -: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرَّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، ثم أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- فآمن به واتبعه، فله أجران).
قلت: وهذا إنما يتحصَّل للكتابي إذا كان متبعًا لدين نبيه في الاعتقاد الصحيح، والعمل على مقتضى شريعته. أما لو اعتقد في عيسى، أو في الله تعالى ما لم تجئ به شريعته، فلا يحصل له أجران إذا أسلم، بل أجر الإسلام خاصة؛