وقول سهل بن حنيف:(أيها الناس اتهموا أنفسكم)، وفي الأخرى:(رأيكم)؛ يعني به: التثبت فيما كانوا فيه، والتصبر، وألا يستعجلوا في أمورهم. ووجه استدلاله بها: أن تلك الحالة كان ظاهرها مكروهًا لهم، صعبًا عليهم، فلما تثبتوا في أمرهم، وأطاعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعل الله لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا، فكأنه يقول لهم: إن صبرتم على المكروه، وتثبتم في أمركم، واتقيتم الله، جعل الله لكم من هذه الفتن مخرجًا، كما جعله لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية.
وقال القاضي عياض: إنما قال ذلك سهل بن حنيف لما ظهر في أصحاب علي من كراهة شأن التحكيم، ومراوضة الصلح، وكان الظفر لهم، حتى رفع لهم أهل الشام المصاحف، ودعوهم إليها، ورغبوا في المصالحة.
وقول عمر:(لم نعطي الدنية في ديننا)؛ يعني بالدنية: الحالة الخسيسة، ويعني به: الصلح على ما شرطوا. ولم يكن ذلك من عمر شكًّا، ولا معارضة، بل كان استكشافًا لما خفي عنه، وحثًّا على قتال أهل الكفر، وإذلالهم، وحرصًا على ظهور المسلمين على عدوهم. وهذا على مقتضى ما كان عنده من القوة في دين الله، والجرأة والشجاعة التي خصَّه الله بها. وجواب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر بما جاوباه به يدل: على أن عندهما من علم باطنة ذلك، وعاقبة أمره ما ليس عند عمر، ولذلك لم يسكن عمر حتى بشره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتح، فسكن جأشه، وطابت نفسه.