للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُقَاتَلُ مِن وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِن أَمَرَ بِتَقوَى اللَّهِ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجره،

ــ

العظام والوقائع الخطيرة ولا يُتَقدّم على رأيه، ولا يُنفرد دونه بأمر مهم حتى يكون هو الذي يشرع في ذلك.

وقوله يُقاتل من ورائه؛ أي أمامه، ووراء من الأضداد، يقال بمعنى خلف وبمعنى أمام، وعلى هذا حمل أكثر المفسرين قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُم مَلِكٌ}؛ أي: أمامهم - وأنشدوا قول الشاعر (١):

أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي ... وقومي تميم والفَلاة ورائيا؟ !

وأصله أن كل ما توارى عنك - أي غاب - فهو وراء، وهذا خبر منه صلى الله عليه وسلم عن المشروعية، فكأنه قال: الذي يجب أو يتعيَّن أن يقاتل أمام الإمام ولا يترك يباشر القتال بنفسه لما فيه من تعرّضه للهلاك، فيهلك كل من معه. ويكفي دليلًا في هذا المعنى تغبية (٢) رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم بدر وغيره، فإنه صلى الله عليه وسلم كان في العريش في القلب والمقاتِلة أمامه.

وقد تضمن هذا اللفظ - على إيجازه - أمرين؛

أحدهما: أن الإمام يُقتدى برأيه ويُقاتل بين يديه، فهما خبران عن أمرين متغايرين، وهذا أحسن ما قيل في هذا الحديث، على أن ظاهره أنه يكون أمام الناس في القتال وغيره، وليس الأمر كذلك، بل كما بينَّاه، والله تعالى أعلم.

وقوله فإن أمر بتقوى الله وعدل كان له بذلك أجر؛ أي أجر عظيم، فَسَكَتَ عن الصفة للعلم بها، وقد دلّ على ذلك ما تقدَّم من قوله صلى الله عليه وسلم إن المقسطين على منابر من نور، وقوله في السبعة الذين يظلهم الله في ظله وإمام عادل (٣).


(١) هو سوار بن المُضرِّب.
(٢) من "غبي" بمعنى: خفي.
(٣) رواه أحمد (٢/ ٤٣٩)، والبخاري (٦٦٠)، ومسلم (١٠٣١)، والترمذي (٢٣٩١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>