للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمَن لَم يَستَطِع فَعَلَيهِ بِالصَّومِ،

ــ

للحاضر؛ لما فيه من معنى الفعل، ودلالة الحال. فأمَّا الغائب فلا يوجد ذلك فيه؛ لعدم حضوره، وعدم معرفته بالحالة الدالة على المراد.

وثانيها: عدُّ قولهم: عليه رجلًا ليس من إغراء الغائب. وقد جعله سيبويه والسّيرافي منه. ورأوه شاذًّا.

قال القاضي: والذي عندي: أنه ليس المراد بها حقيقة الإغراء، وإن كانت صورته، فلم يُرِد هذا القائلُ تبليغ هذا الغائب، ولا أمره بإلزام غيره، وإنما أراد الإخبار عن نفسه بعدم (١) مبالاته بالغائب، وأنَّه غير متأتٍّ له منه ما يريد، فجاء بهذه الصورة يَدَلُّ على ذلك. ونحوه قولهم: إليك عنّي؛ أي: اجعل شغلك بنفسك عنِّي، ولم يُرِد أن يغريه به، وإنّما مرادُه: دَعني، وكن كمن شُغِلَ عَنِّي.

وثالثها: عدُّهم هذه اللفظة في الحديث؛ من إغراء الغائب.

قال القاضي: والصَّواب: أنه ليس في هذا الحديث إغراء الغائب جملة. والكلام كلُّه والخطابُ للحضور الذين خاطبهم صلى الله عليه وسلم بقوله: (من استطاع منكم الباءة) فالهاء هنا (٢) ليست للغائب، وإنّما هي لمن خصَّ من الحاضرين بعدم الاستطاعة؛ إذ لا يصح خطابُه بكاف الخطاب؛ لأنه لم يتعيّن منهم، ولإبهامه بلفظة (من) وإن كان حاضرًا. وهذا النحو كثيرٌ في القرآن؛ كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصَاصُ فِي القَتلَى الحُرُّ بِالحُرِّ إلى قوله: {فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أَخِيهِ شَيءٌ} وكقوله: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ} إلى قوله: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ} وكقوله: {وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعمَل صَالِحًا نُؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ}، فهذه الهاءاتُ كلّها ضمائرُ للحاضر لا للغائب، ومثله: لو قلتَ


(١) في (ج ٢): لقلّة.
(٢) أي: الهاء في "فعليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>