للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هنا. وقد ذكر البخاري حديث أنس هذا على سياق أحسن من هذا وأتم، فقال: جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلمّا أخبروا كأنهم تقالوها. فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال أحدهم: أمَّا أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أمَّا أنا فأصوم الدَّهرَ ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزلُ النساء، فلا أتزوّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنتم القائلون كذا؟ أَمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكنِّي أصوم وأُفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنَّتِي فليس مني) (١).

قلت: فهؤلاء القوم حَصَلَ عندهم أنَّ الانقطاعَ عن ملاذِّ الدُّنيا من النساء والطَّيِّب من الطَّعام والنوم، والتَّفرغ لاستغراق الأزمان بالعبادات أولى، فلما سألوا عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبادته، لم يدركوا من عبادته ما وقع لهم أبدَوا فارقًا بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم: بأنَّه مغفورٌ له. ثمَّ أخبر كلّ واحد منهم بما عَزَمَ على فعله، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بأن ألغى الفارق بقوله: (إني أخشاكم لله) وتَقرِيرُ ذلك: إني وإن كنت مغفورًا لي فخشية الله وخوفه يحملني على الاجتهاد وملازمة العبادة، لكن طريق العبادة ما أنا عليه، فمن رغب عنه وتركه؛ فليس على طريقي في العبادة.

قلت: ويوضح هذا المعنى ويُبيِّنَه: أنَّ عبادة الله إنَّما هي امتثالُ أوامره الواجبة والمندوبة، واجتناب نواهيه المحظورة والمكروهة، وما من زمان من الأزمان إلا وتتوجَّهُ على المكلَّف فيه أوامر أو نواهٍ، فمن قام بوظيفة كل وقت فقد أدَّى العبادة، وقام بها. فإذا قام بالليل مصلِّيًا: فقد قام بوظيفة ذلك الوقت. فإذا احتاج إلى النوم لدفع ألم السّهر، ولتقوية النفس على العبادة، ولإزالة تشويش


(١) رواه البخاري (٥٠٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>