وذلك: أن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرز من تعرضها لأسباب النكاح في حق المتوفى عنها، لعدم الزوج؛ إذ ليس من جهته من يقوم مقامه في البحث عنها والتحرز بها، بخلاف المطلق؛ فإنه حيٌّ، متمكِّن من البحث عن أحوالها، فافترقا. هذا إن قلنا: إن الإحداد معقول المعنى. فإن قلنا: إنه تعبد؛ انقطع الإلحاق القياسي. ولو سُلِّم صحة الإلحاق القياسي؛ لكان التمسَّك بظاهر اللفظ أولى. وقد بينَّا: أنه يدلُّ على الحصر، والله تعالى أعلم.
وإنَّما خصَّ الله تعالى عدَّة الوفاة بأربعة أشهر وعشر؛ لأن غالب الحمل يبين تحركه في تلك المدَّة؛ لأن النُّطفَة تبقى في الرَّحم أربعين، ثم تصير علقة أربعين، ثم مضغة أربعين، فتلك أربعة أشهر، ثم ينفخ فيه الروح بعد ذلك، فتظهر حركته في العشر الزائد على الأربعة الأشهر. وهذا على ما جاء من حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
وأنَّثَ عشرًا؛ لأنه أراد به مدَّة العشر. قاله المبرد. وقيل: لأنه أراد الأيام بلياليها. وإلى هذا ذهب كافة العلماء. فقالوا: إنها عشرة أيام بعد الأربعة الأشهر. وقال الأوزاعي: إنما أنَّث العشر؛ لأنه أراد الليالي. فعلى قول الجمهور: تحل باليوم العاشر بآخره. وعلى قول الأوزاعي: تحل بانقضاء الليلة العاشرة. وقد احتج قوم بقوله: أربعة أشهر وعشرا: على أن ما زاد على هذا العدد إذا كانت حاملًا لم يلزم فيه الإحداد. وقال أصحابنا: عليها الإحداد إلى أن تضع؛ نظرًا إلى المعنى؛ إذ كل ذلك عدَّةٍ من وفاة، وإنما خَصَّ ذلك العدد بالذكر؛ لأن الحِيَّلَ من النساء (١) أغلب، وهنَّ الأصل، والحمل طارئ. والله تعالى أعلم.
ومنعه صلى الله عليه وسلم الكحل للمرأة التي تُخُوِّفَ على عينها يدلُّ: على التشديد في منع المُحدّ من الاكتحال بما فيه زينة، أو طيب إذا وجدت منه بًّدا، إثمدًا كان أو