فأما إذا اضطرت إليه فاختلفوا؛ فمنهم من قال: تجعله بالليل، وتمسحه بالنهار. وبه قال الكوفيون، والنخعي، وعطاء، والشافعي، أخذًا بما في الموطأ من حديث أم سلمة، من قوله:(اجعليه بالليل، وامسحيه بالنهار)(١).
ومنهم من قال: تستعمله ليلًا ونهارًا، بحسب ضرورتها. وبه قال سالم، وسليمان بن يسار، ومالك، حكاه عنه الباجي وغيره. وتأول هؤلاء قوله في هذا الحديث:(تخوفوا عليها): إن هذا الخوف لم يكن محقَّقًا، ولو كان الضرر محقَّقًا حاصلًا بلا بدَّ لأباحه لها؛ لأن المنع إذ ذاك كان يكون حرجًا في الدِّين، وهو مرفوع بقاعدة الشرع.
و(قوله: إنما هي أربعة أشهر وعشر) إنما تفيد التقليل والحصر. يتمسَّك بها من يرى: أن الإحداد لا تزيد فيه الحامل على أربعة أشهر والعشر. وقد تقدَّم.
و(قوله: قد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول) هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن حالة المتوفَّى عنهن أزواجهن قبل ورود الشرع. وحاصله: أنهن كنَّ يقمنَّ في بيوتهن حولًا ملازمات لحالة الشَّعث، والبذاذة، والتَّفل، ووحشة المسكن، وفي شرار الثياب، والأحلاس، إلى أن ينقضي الحول، وعند ذلك تخرج، فترمي ببعرة مُشعِرَة بأن أمر العدَّة المذكورة - وإن كان شديدًا - قد هان عليها في حقِّ من مات عنها كرمي البعرة. وقيل: إنَّ معنى ذلك: أنها رمت بالعدَّة وراء ظهرها كما رمت بالبعرة. فلما جاء الإسلام أمرهن الله تعالى بملازمة البيوت