للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد رد علماؤنا ذكر الاستسعاء المذكور في هذا الباب بوجهين:

أحدهما: التأويل. وهو أن قالوا: معناه: أن يُكلَّف المتمسَّك بالرِّق عَبدَه الخدمة على قدر ملكه، لا زيادة على ذلك. ولفظ الاستسعاء قابل لذلك؛ لأنه استدعاءٌ للسعي؛ الذي هو العمل. لكن لماذا؟ هل لحق العتق، أو لحق السَّيد؟ الأمر محتمل، ولا نصَّ، غير أن تأويلنا أولى؛ لأنه موافق للقواعد الشرعية، وتأويلهم مخالف لها على ما نبينه إن شاء الله تعالى.

قلت: هذا معنى ما أشار إليه أصحابنا. وقد جاء في كتاب أبي داود ما يبطل هذا التأويل من حديث أبي هريرة. قال: (فإن لم يكن له مال قوِّم العبد قيمة عدلٍ، ثم يُستسعى لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه) (١).

والوجه الثاني: الترجيح. وهو من أوجه:

الأول: أن سند حديثنا أقرب سندًا من حديثهم، فتطرُّق احتمال الغلط إليه أبعد.

الثاني: أن حديثهم قد رواه شعبة، وهشام، وهمَّام موقوفًا على قتادة من قوله، وفتياه. وحديثنا متفق على رفعه، فكان أولى.

والثالث: أن حديثنا معمولٌ به عند أهل المدينة، وجمهور العلماء. وحديثهم إنما عمل به أبو حنيفة وأصحابه من أهل العراق، فكيف تخفى سُنَّة على أهل المدينة، وتظهر بالعراق؟ ! وهذا في الاستبعاد والهذر (٢)، كمستبضع التمر إلى هجر (٣).


(١) رواه أبو داود (٣٩٣٨).
(٢) في (ع) و (ل ١): الندر.
(٣) هذا مثل. وهجر: معدن التمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>