للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بما يُقبَلُ وبما يُرَدُّ، وخصوصًا أمير المؤمنين بالحديث مالك بن أنس (١). فقد أخذه عنه، ورواه عُمُرَه لجماهير الناس، ولا إنكار منه، ولا نكير عليه. فصار الحديث مُجمَعًا على صحته. ولَمَّا ثبت ذلك رام العلماء القابلون للحديث التخلُّص من ذلك الإشكال بإبداء تأويلاتٍ، أقربها أربعة:

الأول: أن قوله: (واشترطي لهم) أي: عليهم. كما قال تعالى: {إِن أَحسَنتُم أَحسَنتُم لأَنفُسِكُم وَإِن أَسَأتُم فَلَهَا}؛ أي: عليها. ومنه قوله: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعنَةُ}؛ أي: عليهم.

الثاني: أن قوله: (اشترطي) لم يكن على جهة الإباحة، لكن على جهة التنبيه على أن ذلك الشرط لا ينفعهم، فوجوده وعدمه سواء. فكأنه يقول: اشترطي أو لا تشترطي فذلك لا يفيدهم. وقد قوَّى هذا الوجه ما جاء من رواية أيمن المكي عن عائشة: (اشتريها ودعيهم يشترطون) (٢).

الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان أعلم بأن اشتراط البائع الولاء باطل، واشتهر ذلك، بحيث لا يخفى على هؤلاء، فلمَّا أرادوا أن يشترطوا لما علموا بطلانه أطلق صيغة الأمر مريدًا بها التهديد على مآل الحال، كما قال تعالى: {وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ} فكأنه يقول: اشترطي لهم، فسيعلمون: أن ذلك لا يفيد. ويؤيِّده قوله صلى الله عليه وسلم حين خطبهم: (ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ ! من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق) (٣). فتوبيخهم بمثل هذا القول يدلُّ على أنه كان


(١) انظر الموطأ (٢/ ٧٨٠).
(٢) رواه البخاري (٢٥٦٥) بلفظ: "اشتريها وأعتقيها ودعيهم يشترطوا ما شاؤوا".
(٣) انظره في أحاديث الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>