للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فتمسكا بالأخبار الواردة في الباب، وخصَّصَا بها تلك القاعدة. غير أن الشافعي تمسَّك في التسوية بين الموت والفَلَس بما رواه أبو داود من حديث أبي المعتمر، عن عمر بن خَلدة قال: أتينا أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ في صاحب لنا أفلس. فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أفلس أو مات، فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به (١). وبإلحاق الموت بالفلس؛ لأنه في معناه، ولم ينقدح بينهما فرق مؤثر عنده. وأما مالك: فإنه فرَّق بينهما، لما رواه عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيُّما رجل باع متاعًا فأفلس الذي ابتاعه، ولم يقبض من ثمنه شيئًا، فوجده بعينه، فهو أحق به، فإن مات الذي ابتاعه، فصاحب المتاع أسوة الغرماء) (٢).

قلت: وهذا مرسل صحيح. وقد أسنده أبو داود من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (٣)، وهو طريق صحيح، وفيه زيادة ألفاظ نذكرها بعد إن شاء الله تعالى، ومذهب مالك أولى؛ لأن حديثه أصح من حديث الشافعي؛ لأن أبا المعتمر مجهول على ما ذكره أبو داود، وللفرق بين الفلس والموت، وذلك: أن ذمَّة المفلس باقية، غير أنها انعابت، ويمكن أن يزول ذلك العيب بالإيسار، فيجد الغرماء الذين لم يأخذوا من السلعة شيئًا ما يرجعون عليه، وليس كذلك في الموت، فإن ذمَّة الميت قد انعدمت، فلا يرتجعون (٤) شيئًا؛ فافترقا، والله تعالى أعلم.

وقد تعسَّف بعض الحنفية في تأويل أحاديث الإفلاس تأويلات لا تقوم على أساس، ولا تتمشى على لغةٍ، ولا قياسٍ. فلنُضرب عن ذكرها، لوضوح فسادها.


(١) رواه أبو داود (٣٥٢٣).
(٢) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٦٧٨).
(٣) رواه أبو داود (٣٥١٩).
(٤) في (ع): فلا يرجعون. وفي (ل ١): فلا يرتجون.

<<  <  ج: ص:  >  >>