للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي رواية: فَقَالَ سعيد: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا. وفيها: فَرَأَيتُهَا عَميَاءَ تَلتَمِسُ الجُدُرَ، تَقُولُ: أَصَابَتنِي دَعوَةُ سَعِيدِ.

رواه أحمد (٢/ ٣٨٧)، ومسلم (١٦١٠) (١٣٩).

ــ

دليلٌ على أن سعيدًا استجاز الدُّعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه. وفيه إشكال مع قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُهَا} وقوله: {فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم} ووجه الإشكال: أنه كما لا يجوز أن يأخذ من الظالم والغاصب زيادة على القصاص، أو على مقدار ما أخذ، كذلك لا يجوز أن يدعو عليه بزيادة على ذلك، لإمكان الإجابة، فتحصل الزيادة الممنوعة، ولو لم يستجب له؛ أليس قد أراد وتمنى شرًّا زائدًا على قدر الجناية للمسلم؟ ! وهو ممنوع منه، وإنما الذي يجوز أن يدعو به على الظالم: أن يقول: اللهم خذ لي حقي منه. اللهم افعل به ما فعل، وما أشبه ذلك {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزمِ الأُمُورِ}

ويجاب عنه بالفرق بين الدَعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه، وبين أن يفعل به أكثر مما ظلم فيه؛ فإن الدعاء ليس مقطوعًا بإجابته، فإذا صدر عن المظلوم بحكم حرقة مظلمته، وشدَّة موجدته، لم نقل: إنه صدر عنه محرَّم، وغاية ذلك: أن يكون ترك الأولى؛ لأنه منتصر، ولأنه لم يصبر. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إيَّاك ودعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب (١)) (٢) ويدل على جواز ذلك: ما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا خَلِق الثياب، فأمره أن يلبس ثوبيه، فلما لبسهما قال: (ما له؟ - ضرب الله عنقه - أليس هذا خيرًا) (٣) وفي كتاب أبي داود: عن


(١) رواه البيهقي (٧/ ٨٤)، وانظر: مجمع الزوائد (٢/ ٤٠).
(٢) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(٣) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٩١٠ - ٩١١)، والحاكم (٤/ ١٨٣)، وابن حبان (٥٤١٨)، والبزار كما في كشف الأستار (٢٩٦٢). وانظر: مجمع الزوائد (٥/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>