و(قوله: يبيت ليل ين) المقصود بذكر الليلتين، أو الثلاث: التقريب، وتقليل مدَّة ترك كتب الوصية. ولذلك لَمَّا سمعه ابن عمر لم يبت ليلة إلا بعد أن كتب وصيته. والحزم المبادرة إلى كتبها أول أوقات الإمكان، لإمكان بغتة الموت التي لا يأمنها العاقل ساعة. ويحتمل أن يكون إنما خصَّ الليلتين بالذكر فسحة لمن يحتاج إلى أن ينظر فيما له وما عليه، فيتحقق بذلك، ويروي (١) فيها ما يوصي به، ولمن يوصي، إلى غير ذلك.
و(قوله: إلا ووصيته مكتوبة عنده) ذِكرُ الكتابة مبالغة في زيادة الاستيثاق؛ لأنه إنما يعني: بكونها مكتوبة، مشهودًا بها. وهي الوصية المتفق على العمل بها، فلو أشهد بها العدول، وقاموا بتلك الشهادة لفظًا لعُمِل بها، وإن لم تكتب خطًا، فلو كتبها بيده، ولم يشهد بها؛ فلم يختلف قول مالك: أنه لا يُعمل بها إلا فيما يكون فيها من إقرار بحق لمن لا يتهم عليه، فيلزم تنفيذه. واختلف عن مالك فيما إذا كتبها، وأشهد عليها، فقال فيها: إن مت في سفري هذا، أو في مرضي هذا، فسلم من الموت في ذلك السَّفر والمرض، ولم يخرجها من يده حتى مات بعد ذلك. فهل تنفذ أو لا؟ قولان. فلو وضعها على يد غيره نُفِّذَت. ولو لم يقيدها بذلك المرض ولا بذلك السَّفر، وأمسكها عنده إلى أن مات نُفِّذت قولًا واحدًا. وتفصيل مسائل الوصايا في الأمهات.
و(قوله في حديث سعد: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجع أشفيت منه على الموت) عادني: زارني. ولا يقال ذلك إلا لزيارة المريض. فأما الزيارة فأكثرها للصحيح. وقد تقال للمريض. فأمَّا قوله تعالى:{حَتَّى زُرتُمُ المَقَابِرَ}