النبي - صلى الله عليه وسلم - على القاتل بناء منه: على أنه إذا تيسَّر له ما يؤدي إلى أولياء المقتول سألهم في العفو عنه.
ففيه من الفقه: السعي في الإصلاح بين الناس، وجواز الاستشفاع، وإن رفعت حقوقهم للإمام؛ بخلاف حقوق الله تعالى، فإنَّه لا تجوز الشفاعة فيها إذا بلغت الإمام.
و(قوله: ما لي مال إلا كسائي وفأسي) فيه من الفقه: أنَّ المال يُقال على كل ما يتموَّل من العروض وغيرها. وأن ذلك ليس مخصوصًا بالإبل، ولا بالعين. وقد تقدَّم ذلك.
و(قوله: فرمى إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بنِسعَته وقال: دونك صاحبك) أي: خذه فاصنع به ما شئت. هذا: إنَّما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا تحقق السبب، وتعذَّر عليه الإصلاح، وبعد أن عرض على الولي العفو فأبى، كما قاله ابن أشوع، وبعد أن علم: أنه لا مستحِقَّ للدَّم إلا ذلك الطالب خاصة. ولو كان هناك مستحقٌّ آخر لتعيَّن استعلام ما عنده من القصاص أو العفو.
وفيه ما يدلُّ: على أن القاتل إذا تحقق عليه السبب، وارتفعت الموانع لا يقتلُه الإمام، بل يدفعه للولي يفعل به ما يشاء من قتل، أو عفو، أو حبس، إلى أن يرى رأيه فيه. ولا يسترقَّه بوجه؛ لأنَّ الحرَّ لا يملك. ولا خلاف فيه فيما أعلمه.
و(قوله: فانطلق به، فلمَّا ولى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن قتله فهو مثله) ظاهره: إن قتله كان عليه من الإثم مثل ما على القاتل الأول. وقد صرَّح بهذا في الرواية الأخرى التي قال فيها:(القاتل والمقتول في النَّار)، وهذا فيه إشكال عظيم.