للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلتَ: إِن قَتَلَهُ فَهُوَ مِثلُهُ. وَأَخَذتُهُ

ــ

فإن القاتل الأوَّل قَتَل عمدًا. والثاني يَقتُلُ قِصَاصًا، ولذلك: لما سمع الولي ذلك قال: (يا رسول الله! قلت ذلك؟ ! وقد أخذته بأمرك).

فاختلف العلماء في تأويل هذا على أقوال:

الأول: قال الإمام أبو عبد الله المازري: أمثلُ ما قيل فيه: أنَّهما استويا بانتفاء التِّباعةِ عن القاتل بالقِصاص.

قلت: وهذا كلامٌ غير واضح. ويعني به - والله أعلم -: أن القاتل إذا قَتَل قِصَاصًا لم يبق عليه تبعة من القتل. والمقتصّ: لا تبعة عليه؛ لأنَّه استوفى حقه، فاستوى الجاني والولي المقتصُّ في أن كل واحد منهما لا تبعة عليه.

الثاني: قال القاضي عياض: معنى قوله: (فهو مثله) أي: قاتل مثله، وإن اختلفا في الجواز والمنع، لكنهما اشتركا في طاعة الغضب، وشِفَاء النفس، لا سيما مع رغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العفو، على ما جاء في الحديث.

قلت: والعجيبُ من هذين الإمامين: كيف قنعا بهذين الخيالين (١) ولم يتأمَّلا مساق الحديث، وكأنهما لم يسمعا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين انطلق به يجرُّه ليقتله: (القاتل والمقتول في النار). وهذه الرواية مفسِّرة لقوله في الرواية المتقدمة: (إن قَتَلَه فهو مِثلُه) [لأنها ذُكِرت بدلًا منها، فعلى مقتضى قوله: (فهو مثله) أي: هو في النار مثله] (٢)، ومن هنا عظم الإشكال. ولا يلتفت لقول من قال: إن ذلك إنما قاله - صلى الله عليه وسلم - للولي لِمَا عَلِمَه منه من معصية يستحق بها دخول النار؛ لأنَّ المعصية المقدرة (٣)، إما أن يكون لها مدخل في هذه القصَّة، أو لا مدخل لها فيها. فإن كان


(١) في (ع) و (م): الحالين.
(٢) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(٣) المقدرة ليست في (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>