للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن يبيعه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد بعته مني)، فأنكر الأعرابي وقال: من يشهد لك؟ فاستدعى النبي - صلى الله عليه وسلم - من يشهد، فشهد خزيمة (١). فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم بعلمه حتى قامت الشهادة. ولا ينفصل عن هذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك لأن الحق كان له، ولا يشهد أحدٌ لنفسه، ولا يحكم لها، ولأنَّه لا يُعطَى أحد بدعواه، ولأنه قصد قطع حجَّة الأعرابي لما طلب منه الشهادة؛ لأنَّا نقول: إنَّما اعتبر ذلك كلَّه في حق غير النبي - صلى الله عليه وسلم - لإمكان ادِّعاء الباطل والكذب، وإرادة أخذ مال الغير، ودفعه عن حقِّه. وكل ذلك معدومٌ في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعًا. ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين: (أَيَأمَنُنِي الله تعالى على خزائنه ولا تأمنوني، والله! إني لأمين من في السماء) (٢).

وأمَّا قوله: إنما فعله لقطع حجَّة الخصم. فإنَّه باطل؛ إذ لا حجَّة له، ولا لغيره، على خلاف ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإن هذا الأعرابي إن كان مسلمًا؛ فقد علم صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإن كان كافرًا؛ فلا مبالاة بقوله؛ إذ قد قام دليل على صدقه، وعلمه العقلاء، كما لم يُبال بقول من كذَّبه من الكُفَّار، ولا بقول الذي اتهمه في القسمة؛ حيث قال: يا محمد! اعدل، فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله (٣).

ومن أوضح ما يدلّ على المطلوب، وأصحُّهُ حديث أبي جهم؛ حيث بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدِّقًا، فلاحاه رجلان، فشجَّهما، فأتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلبان القصاص، فبذل لهما مالًا، فرضيا به، فقال: (إني أخطُبُ الناس، وأذكُرُ لهم ذلك، أفرضيتما؟ ) قالا: نعم. فخطب الناس ثم قال: (أرضيتما؟ ) قالا: لا. فهمَّ بهما المهاجرون والأنصار، فمنعهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ نزل فزادهما، فرضيا، ثم صعد


(١) رواه أبو داود (٣٦٠٧).
(٢) رواه البخاري (٣٣٤٤)، ومسلم (١٠٦٤).
(٣) رواه أحمد (١/ ٤١١ و ٤٤١)، والبخاري (٣٤٠٥)، ومسلم (١٠٦٢) (١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>