للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والنخعي، وقتادة؛ لأنَّه شيطان كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، متمسكين بقوله: (مكلِّبين)، وبأنَّه ما وقع في الصحيح إلا ذكر الكلاب، وهذا لا حجَّة لهم فيه؛ لأنَّ ذكر الكلاب في هذه المواضع إنما كان لأنها الأغلب والأكثر. وأيضًا فإن ذكرها خصوصًا لا يدل على أن غيرها لا يصاد بها؛ لأنَّ الكلب لقب، ولا مفهوم للقب عند جماهير المحققين من الأصوليين، ولم يصر إليه إلا الدَّقاق، وليس هو فيه على توفيق، ولا وفاق. ولو صحَّ زعمه ذلك لكفر من قال: عيسى رسول الله؛ فإنَّه كان يلزم منه بحسب زعمه: أن محمدًا وغيره من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ليس رسولًا.

وفي (قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أرسلت) ما يدلُّ على أن الإرسال لا بدَّ أن يكون من جهة الصائد، ومقصودًا له؛ لأنَّ أفعل فعل الفاعل كأَخرَج، وأَكرم، ثم هو فعل عاقل، فلا بدَّ أن يكون مفعولًا لغرض صحيح، وفيه مسألتان:

الأولى: أن يقصد الصائد عند الإرسال قصد التذكية والإباحة، وهذا لا يختلف فيه، فلو قصد مع ذلك اللهو؛ فكرهه مالك، وأجازه ابن عبد الحكم. وهو ظاهر قول الليث: ما رأيت حقًّا أشبه بباطل منه. يعني: الصيد. فأما لو فعله بغير نيَّة التذكية: فهر حرام؛ لأنَّه من باب الفساد وإتلاف نفس حيوان بغير منفعة. وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الحيوان إلا لمأكلة.

الثانية: لا بدَّ أن يكون انبعاثُ الكلب بإرسالٍ من يد الصائد، بحيث يكون زمامه بيده [فيُخلِّي عنه، ويُغرِيه عليه، فينبعثُ، أو يكون الجارح ساكنًا مع رؤية الصيد، فلا يتحرَّك له إلا بإغراء الصائد. فهذا بمنزلة ما زمامه بيده] (١) فأطلقه مُغريًا له على أحد القولين. فأما لو انبعث الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال،


(١) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>