للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلَاّ لِدُنيَا؛

ــ

ذلك لاجتماعِ ملائكةِ الليلِ وملائكةِ النهار في ذلك الوَقتِ؛ لوجهَين:

أحدهما: لأنَّ هذا المعنى موجودٌ في صلاة الفجر؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم مَلَائِكَةٌ بِاللَّيلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، ثُمَّ يَجتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ العَصرِ وَصَلَاةِ الفَجرِ (١)؛ وعلى هذا فتبطُلُ خصوصيَّةُ العصر؛ لمساواةِ الفجرِ لها في ذلك.

وثانيهما: أنَّ حضورَ الملائكةِ واجتماعَهُم إنما هو في حالِ فعل هاتَينِ الصلاتين لا بعدهما؛ كما قد نَصَّ عليه في الحديثِ حين قال: يَجتَمِعُونَ في صلاةِ الفَجرِ وصَلَاةِ العَصرِ (١)، وتقولِ الملائكةِ: أتيناهُم وهم يُصَلُّونَ (١)، وتَرَكنَاهُم وَهُم يُصَلُّونَ، وهذا يدلُّ دلالةً واضحةً على أنَّ هؤلاءِ الملائكةَ لا يشاهدون من أعمالِ العبادِ إلا الصلواتِ فَقَط، وبها يَشهَدون. فتدبَّر ما ذكرتُهُ؛ فإنَّه الأنسَب الأسلَمُ، والله أعلم.

و(قوله: وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَاّ لِدُنيَا) إنَّما استَحَقَّ هذا الوعيدَ الشديدَ؛ لأنَّه لم يَقُم لله تعالى بما وجَبَ عليه مِنَ البَيعةِ الدينيَّة، فإنَّها من العباداتِ التي تجبُ فيها النيَّةُ والإخلاص، فإذا فَعَلَهَا لغيرِ اللهِ تعالى مِن دنيا يَقصِدها، أو غَرَضٍ عاجلٍ يقصده، بَقِيَت عهدتُهَا عليه؛ لأنَّه منافقٌ مُرَاءٍ غَاشٌّ للإمامِ والمسلمين، غيرُ ناصحٍ في شيء من ذلك.

ومَن كان هذا حاله، كان مُثِيرًا للفتن بين المسلمين (٢)؛ بحيثُ يَسفِكُ دماءَهُم، ويستبيحُ أموالهم، ويَهتِكُ بلادهم، ويَسعَى في إهلاكهم؛ لأنَّه إنما يكونُ مع مَن بلّغهُ إلى أغراضه، فيبايعُهُ لذلك ويَنصُرُهُ، ويغضَبُ له ويقاتلُ مخالفَهُ، فينشأ من ذلك تلك المفاسد.

وقد تكونُ هذه المخالفة في بعضِ أغراضه، فينكُثُ بيعتَه، ويطلُبُ هَلَكَتَه، كما هو حالُ أهل أكثر


(١) رواه البخاري (٥٥٥)، ومسلم (٦٣٢)، والنسائي (١/ ٢٤٠ و ٢٤١).
(٢) في (ع): ومن كان هكذا يثير الفتن، وفي (ل) و (ط): ومن كان هكذا كان مثيرًا للفتن، والمثبت من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>